الأنموذج القرآني للمجتمع الراشد وإسهاماته البنيوية والتربوية
في تجسيد مقاصد الشريعة الإسلامية: دراسة تحليلية تأصيلية |
اسم الباحث الأول باللغتين العربية والإنجليزية |
شيماء
عماد أبو غوري |
||
Shaima Imad Abu Ghorie |
||||
اسم الباحث الثاني باللغتين العربية والإنجليزية: |
د.محمد
حسن أبورحمة |
|||
Dr.mohammed Hasan Aburahma |
||||
اسم الباحث الثالث باللغتين العربية والإنجليزية: |
/ |
|||
/ |
||||
The Qur’anic Model of the Rightly-Guided Society and Its
Structural and Educational Contributions to Embodying the Objectives of
Islamic Law: An Analytical and Fundamental Study |
1 اسم الجامعة والدولة
(للأول) باللغتين العربية
والإنجليزية |
كلية الدعوة الإسلامية غزة فلسطين |
||
Faculty of Islamic Dawa, Gaza, Palestine |
||||
2 اسم الجامعة والدولة (للثاني) باللغتين العربية والإنجليزية |
وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية |
|||
Ministry of Education and Higher Education, Palestine |
||||
3 اسم الجامعة والدولة
(للثالث) باللغتين العربية
والإنجليزية |
/ |
|||
/ |
||||
Doi: لاستعمال هيئة التحرير |
* البريد
الالكتروني للباحث المرسل: E-mail
address: |
emadabughoury@gmail.com |
||
|
الملخص: |
|
||
|
هدفت هذه الدراسة إلى استكشاف
الأسس البنيوية والتربوية للمجتمع الراشد في ضوء الشريعة الإسلامية، مع التركيز
على التحديات التي تواجه تحقيق هذا النموذج وتقديم استراتيجيات عملية لتفعيله.
اعتمدت الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي ومنهج الاستدلال بالنصوص الشرعية،
واستندت إلى مراجع تقليدية وحديثة لتعزيز مصداقيتها. أظهرت النتائج أن الأسس
البنيوية مثل العدل، الشورى، التكافل الاجتماعي، والأخلاق الفاضلة تُعد العمود
الفقري لبناء مجتمع مستقر ومتكامل. كما أكدت الدراسة أهمية التربية الإسلامية في
تشكيل شخصية الفرد المسلم منذ الصغر من خلال الأسرة والمدرسة. ومع ذلك، تواجه
المجتمعات الإسلامية تحديات فكرية وثقافية نتيجة اختراق الثقافات الغربية، إضافة
إلى تحديات اجتماعية واقتصادية مثل الفقر والتفكك الأسري. لتحقيق المجتمع
الراشد، أوصت الدراسة بتعزيز التربية الإسلامية عبر تطوير المناهج التعليمية،
واستخدام الإعلام الجديد لنشر القيم الإسلامية بطرق جذابة. كما شددت على أهمية
تطبيق العدل والشورى لتحقيق المشاركة المجتمعية، ودور الزكاة والصدقات في تحقيق
التنمية المستدامة وتقليل الفقر. بالإضافة إلى ذلك، دعت الدراسة إلى تشجيع العمل
التطوعي ودعم المؤسسات المجتمعية لتعزيز الروابط الاجتماعية. وأخيرًا، أوصت
بإجراء المزيد من الدراسات الميدانية لتطوير استراتيجيات عملية تساهم في بناء
مجتمع راشد يحقق مقاصد الشريعة الإسلامية. |
|
||
|
كلمات مفتاحية: (المجتمع الراشد،
العدل، الشورى، التربية الإسلامية، التنمية المستدامة) |
|
||
|
Abstract: |
|
||
|
This study aimed to
explore the structural and educational foundations of an ideal Islamic
society, focusing on the challenges hindering its realization and proposing
practical strategies for its activation. The study employed a
descriptive-analytical methodology alongside scriptural reasoning, relying on
traditional and contemporary references to ensure credibility. Findings
revealed that structural foundations such as justice, consultation (Shura),
social solidarity, and moral values are the backbone of a stable and
integrated society. Additionally, Islamic education plays a pivotal role in
shaping individuals’ personalities from an early age through family and
school. However, Islamic societies face intellectual and cultural challenges
due to Western cultural influences, alongside social and economic issues like
poverty and family disintegration. To achieve an ideal society, the study
recommended enhancing Islamic education by revising curricula, and utilizing
modern media to promote Islamic values in engaging ways. It also emphasized
implementing justice and Shura to ensure community participation, and using
Zakat and charity to achieve sustainable development and reduce poverty.
Furthermore, it suggested promoting volunteerism and supporting community
institutions to strengthen social bonds. Finally, the study called for
further field research to develop actionable strategies for building a
society that fulfills the objectives of Islamic law (Maqasid al-Sharia).
These recommendations aim to create a stable, integrated society rooted in
Islamic principles while addressing contemporary challenges effectively. |
|
||
|
Keywords:
(Ideal society, justice, consultation (Shura), Islamic
education, sustainable development.) |
|
||
المقدمة
يُعتبر المجتمع الراشد
في التصور الإسلامي نموذجًا متكاملًا يعكس القيم والمبادئ التي دعا إليها القرآن
الكريم، والتي تهدف إلى بناء مجتمع متوازن يسوده العدل، والشورى، والتكافل،
والأخلاق الفاضلة. ويقوم هذا النموذج على رؤية قرآنية تستند إلى تحقيق الفطرة
السليمة للإنسان، وإيجاد بيئة مجتمعية قائمة على الهداية الإلهية، بحيث يصبح الفرد
عنصرًا فاعلًا في بناء منظومة اجتماعية تحقق الاستقرار والتنمية وفق مقاصد الشريعة
الإسلامية (القرضاوي، 2005، ص. 34).
فالإسلام لم يقتصر على تقديم أحكام مجردة، بل
وضع إطارًا شاملًا لحياة الإنسان الفردية والاجتماعية، يهدف إلى تحقيق التوازن بين
الروح والمادة، وبين الفرد والمجتمع، وبين الحقوق والواجبات. هذا التوازن هو جوهر
الرسالة الإسلامية، حيث يسعى الإسلام إلى بناء مجتمع يقوم على أسس روحية وأخلاقية
تعزز من استقراره وتطوره. فالدين الإسلامي ليس مجرد عقيدة أو طقوس دينية، بل هو
نظام حياة شامل يغطي جميع جوانب الحياة، بما في ذلك العلاقات الاجتماعية، الاقتصادية،
والسياسية.
وقد جاءت الشريعة
الإسلامية بأحكام تهدف إلى تحقيق المقاصد الكبرى التي وضعها الإسلام لحفظ الدين،
والنفس، والعقل، والنسل، والمال، وهي مقاصد لا يمكن تحقيقها إلا من خلال تكوين
مجتمع يتمتع بالنضج الفكري، والوعي القيمي، والسلوك الرشيد (الغزالي، 1998، ص.
67).
وتتمثل هذه المقاصد في
حماية عقيدة الإنسان وهويته الدينية، وصون كرامته الإنسانية، وتحقيق التنمية
المستدامة التي تلبي احتياجات الحاضر دون المساس بحقوق الأجيال القادمة. ومن هنا،
فإن المجتمع الراشد ليس مجرد تجمع بشري، بل هو كيان يقوم على أسس راسخة، تُمكّنه
من استيعاب تعاليم الشريعة وتطبيقها في الواقع المعيش، بما يسهم في تحقيق الأمن
الاجتماعي، والاستقرار السياسي، والتقدم الحضاري (الشعراوي، 1990، ص. 56).
فالإسلام ينظر إلى المجتمع كوحدة متكاملة، حيث
يرتبط الفرد بالجماعة، والجماعة بالفرد، في علاقة تكاملية تهدف إلى تحقيق الخير
العام. هذه العلاقة التكاملية تجعل من المجتمع الراشد نموذجًا فريدًا قادرًا على
مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وتحقيق التنمية الشاملة التي تلبي احتياجات
جميع أفراد المجتمع.
وفي ضوء ذلك، تبرز
الحاجة إلى دراسة النموذج القرآني للمجتمع الراشد، وتحليل أسسه التربوية
والبنيوية، واستكشاف كيفية إسهامه في تحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية. فالتربية
الإسلامية ليست مجرد عملية تعليمية تقليدية، بل هي استراتيجية شاملة تهدف إلى غرس
القيم والمبادئ الإسلامية في نفوس الأفراد منذ الصغر، ليصبحوا قادرين على تحمل
المسؤوليات واتخاذ القرارات بناءً على القيم الأخلاقية والدينية (عمارة، 2012، ص.
48).
كما أن الأسس البنيوية
مثل العدل، والشورى، والتكافل الاجتماعي، تمثل العمود الفقري لهذا المجتمع، حيث
تعمل هذه الأسس معًا لضمان استقرار المجتمع وتحقيق التنمية المستدامة (العمر،
2010، ص. 89).
ولا يمكن فصل هذه
الأسس عن بعضها البعض، لأنها تشكل شبكة مترابطة تدعم بناء مجتمع يعتمد على القيم
الإسلامية في جميع مجالات الحياة.
ولكن بالرغم من وضوح
التصور القرآني لهذا المجتمع، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تواجه تحقيقه
في الواقع المعاصر، ومنها العوامل الفكرية والثقافية، والتغيرات الاجتماعية،
والتحديات الاقتصادية والسياسية التي تعيق ترسيخ القيم الإسلامية في النظم
المجتمعية الحديثة. فاختراق الثقافات الغربية، وانتشار الفكر العلماني والإلحادي،
وتفشي الجرائم والمخدرات، وتفكك الأسرة، كلها تمثل تحديات كبيرة تهدد تحقيق
المجتمع الراشد (شريعتي، 2007، ص. 72).
هذه التحديات تتطلب
جهودًا متكاملة من الأفراد والمؤسسات المجتمعية، بما في ذلك المؤسسات التعليمية
والإعلامية، لتعزيز القيم الإسلامية ومواجهة الأفكار الدخيلة. كما أن استخدام
التكنولوجيا الحديثة، مثل الإعلام الجديد ومواقع التواصل الاجتماعي، يمكن أن يكون
أداة فعالة لنشر القيم الإسلامية وتعزيز الهوية الإسلامية إذا تم استخدامها بحذر
ووعي (زيدان، 2015، ص. 92)
ومن هنا، تسعى هذه
الدراسة إلى تقديم رؤية علمية متكاملة حول مفهوم المجتمع الراشد في القرآن الكريم،
واستكشاف إسهاماته التربوية في تحقيق المقاصد الشرعية، مع تحليل التحديات التي
تواجه تحقيق هذا النموذج، واقتراح حلول وآليات عملية تساعد في تفعيله على أرض
الواقع. وتهدف الدراسة إلى تسليط الضوء على أهمية التربية الإسلامية، ودور
المؤسسات المجتمعية والإعلامية، واستخدام التكنولوجيا الحديثة لنشر القيم
الإسلامية، بما يساهم في بناء مجتمع مستقر ومزدهر يحقق مقاصد الشريعة الإسلامية.
كما تسعى الدراسة إلى تقديم استراتيجيات عملية لتفعيل النموذج القرآني للمجتمع
الراشد، من خلال تعزيز القيم الإسلامية، تطبيق العدل والشورى، ودعم الأسرة كمؤسسة
أساسية في بناء الشخصية المسلمة. هذه الجهود تهدف إلى بناء مجتمع يتمتع بالاستقرار
والتنمية المستدامة، ويحقق التوازن بين الروح والمادة، وبين الفرد والمجتمع.
مشكلة الدراسة
تتمثل مشكلة الدراسة
في التحديات التي تواجه تحقيق النموذج القرآني للمجتمع الراشد في الواقع المعاصر،
على الرغم من وضوح التصور الإسلامي لهذا النموذج في القرآن الكريم والسنة النبوية.
فعلى الرغم من أن الإسلام قدم رؤية شاملة لبناء مجتمع متكامل يقوم على العدل،
والشورى، والتكافل الاجتماعي، والأخلاق الفاضلة، إلا أن المجتمعات الإسلامية تعاني
اليوم من تحديات متعددة تعيق ترسيخ هذه القيم وتطبيقها بشكل فعال. ومن أبرز هذه
التحديات: الاختراق الثقافي والفكري الناتج عن العولمة، ضعف الروابط الاجتماعية،
تفكك الأسرة، الفقر والبطالة، وعدم عدالة توزيع الثروات، إضافة إلى غياب تطبيق مبادئ
العدل والشورى في بعض الأنظمة السياسية والإدارية.
علاوة على ذلك، هناك
نقص في تقديم استراتيجيات عملية واضحة لتفعيل النموذج القرآني للمجتمع الراشد،
خاصة في ظل التغيرات الاجتماعية والثقافية التي يشهدها العصر الحديث. ولذلك، فإن
الحاجة ماسة إلى دراسة مستفيضة تسلط الضوء على كيفية استلهام الأسس البنيوية
والتربوية من النموذج القرآني، وتحليل دور هذه الأسس في تحقيق مقاصد الشريعة
الإسلامية، مع تقديم حلول عملية تساعد في مواجهة التحديات المعاصرة.
أسئلة الدراسة
سعت الدراسة الإجابة عن الأسئلة التالية:
أهداف الدراسة
هدفت هذه الدراسة إلى:
أهمية الدراسة
تنبع أهمية هذه الدراسة من عدة جوانب:
منهجية الدراسة
اعتمدت
هذه الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي لاستكشاف مفهوم المجتمع الراشد في القرآن
الكريم. كما تم استخدام المنهج الاستدلالي الذي يعتمد على النصوص الشرعية (القرآن
الكريم والسنة النبوية) لتحليل الأسس النظرية لهذا المفهوم. تم دعم البحث بمراجع
تقليدية ومصادر حديثة لتعزيز المصداقية الأكاديمية.
حدود الدراسة
لتوضيح نطاق البحث ومنع التوسع غير المبرر في
المواضيع ذات الصلة، تم تحديد حدود هذه الدراسة على النحو التالي:
1.
الحدود الموضوعية:
تركز الدراسة على
تحليل الأنموذج القرآني للمجتمع الراشد وإسهاماته البنيوية والتربوية في تحقيق
مقاصد الشريعة الإسلامية. ولا تتناول الدراسة الجوانب السياسية أو الاقتصادية بشكل
تفصيلي، إلا بما يخدم فهم الأسس البنيوية والتربوية للمجتمع الراشد.
2.
الحدود الزمانية:
تغطي الدراسة
النصوص القرآنية والسنة النبوية كمصادر أساسية، مع الاعتماد على الدراسات والأعمال
الفكرية التي نُشرت حتى عام 2023. ولا تتطرق الدراسة إلى التطورات المستقبلية التي
قد تطرأ على المجتمعات الإسلامية.
3.
الحدود البشرية:
تهتم الدراسة بدور
الأفراد والمؤسسات (مثل الأسرة، المدرسة، والمساجد) في بناء المجتمع الراشد، دون
الخوض في دراسة سلوكيات أو قرارات شخصيات بعينها.
الدراسات السابقة الإطار النظري
الدراسات السابقة
تم
تقسيم هذه الدراسات إلى عدة موضوعات رئيسية تشمل الأسس البنيوية، التربية
الإسلامية، التحديات الثقافية والاجتماعية، التنمية المستدامة، الشورى، والإعلام
الجديد. كل دراسة تسهم في تسليط الضوء على جانب معين من الجوانب التي تؤثر على
بناء المجتمع الراشد. ومع ذلك، فإن معظم هذه الدراسات لم تتعمق في تقديم
استراتيجيات عملية لتفعيل النموذج القرآني للمجتمع الراشد، مما يبرز الحاجة إلى
بحث شامل يعالج هذه الفجوات.
دراسة-
القرضاوي 2005 التي ركزت هذه الدراسة على تحديد الأسس البنيوية الرئيسية التي يقوم
عليها المجتمع الإسلامي، مثل العدل، الشورى، التكافل الاجتماعي، والأخلاق الفاضلة.
أشار القرضاوي إلى أهمية تحقيق هذه الأسس لتحقيق استقرار المجتمع وتحقيق التنمية
المستدامة (يوسف القرضاوي، 2005، ص. 34).هذه الدراسة كانت أساسًا نظريًا مهمًا في
فهم الأسس البنيوية للمجتمع الراشد. ومع ذلك، لم تتعمق في الجوانب التربوية أو
الاستراتيجيات العملية لتفعيل هذه الأسس في المجتمعات المعاصرة. ودراسة عمارة
(2012) استعرضت هذه الدراسة دور التربية الإسلامية في تشكيل شخصية المسلم منذ
الصغر. ركزت على أهمية غرس القيم الإسلامية في نفوس الأفراد من خلال الأسرة
والمدرسة، وكيف يمكن لهذه القيم أن تسهم في بناء مجتمع قائم على الأخلاق والعدل
(محمد عمارة، 2012، ص. 48).أكدت هذه الدراسة على أهمية التربية الإسلامية كأحد
الركائز الأساسية لبناء المجتمع الراشد. ومع ذلك، لم تتناول التحديات الفكرية
والثقافية التي تواجه التربية الإسلامية في العصر الحديث.
دراسة
شريعتي (2007) التي ناقشت هذه الدراسة التحديات الفكرية والثقافية التي تواجه
المجتمعات الإسلامية في ظل العولمة والتكنولوجيا الحديثة. ركزت على كيفية مواجهة
اختراق الثقافات الغربية والفكر الإلحادي أو العلماني الذي يهدد الهوية الإسلامية
(علي شريعتي، 2007، ص. 65). هذه الدراسة كانت مصدرًا مهمًا لفهم التحديات الفكرية
والثقافية التي تعيق بناء المجتمع الراشد. ومع ذلك، لم تقدم حلولًا عملية مفصلة
لمواجهة هذه التحديات.
5.
دراسة العمر(2010) استعرضت هذه الدراسة مفهوم التنمية المستدامة من منظور إسلامي،
مع التركيز على دور الزكاة والصدقات في تحقيق العدالة الاقتصادية وتقليل الفقر.
كما ناقشت كيفية تحقيق التوازن بين احتياجات الحاضر واحتياجات المستقبل (عبد الله
العمر، 2010، ص. 89). هذه الدراسة قدمت رؤية شاملة حول كيفية تحقيق التنمية
المستدامة في المجتمع الراشد. ومع ذلك، لم تتناول الجوانب الاجتماعية والسياسية
التي تؤثر على التنمية المستدامة.
دراسة-
رمضان(2013) ركزت هذه الدراسة على مفهوم الشورى في الإسلام، وكيف كان يتم تطبيقه
في التاريخ الإسلامي. ناقشت أيضًا إمكانية تطبيق الشورى في الأنظمة السياسية
الحديثة كآلية لتحقيق الديمقراطية الإسلامية (طارق رمضان، 2013، ص. 78). كانت هذه
الدراسة مصدرًا مهمًا لفهم مفهوم الشورى ودوره في تحقيق المشاركة المجتمعية. ومع
ذلك، لم تتطرق إلى التحديات السياسية التي تعيق تطبيق الشورى في المجتمعات
الإسلامية المعاصرة.
دراسة زيدان2015 استعرضت هذه الدراسة دور الإعلام الجديد
والتكنولوجيا في نشر القيم الإسلامية وتعزيز الهوية الإسلامية. ركزت على كيفية
استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لنشر أفكار إسلامية جذابة وموجهة للشباب (عبد
الكريم زيدان، 2015، ص. 92). قدمت هذه الدراسة رؤية عملية حول كيفية استخدام
التكنولوجيا والإعلام لنشر القيم الإسلامية. ومع ذلك، لم تتناول التحديات التي
تواجه المؤسسات الإعلامية في مواجهة الحملات المعادية للإسلام.
دراسة الغنوشي2018 ناقشت هذه الدراسة التحديات التي تواجه الأسرة
المسلمة في العصر الحديث، مثل الطلاق، التفكك الأسري، وغياب التربية السليمة. ركزت
على أهمية دعم الأسرة لتوفير البيئة المناسبة لتربية الأجيال (راشد الغنوشي، 2018،
ص. 85). كانت هذه الدراسة مصدرًا مهمًا لفهم دور الأسرة في بناء المجتمع الراشد.
ومع ذلك، لم تتطرق إلى الحلول العملية لدعم استقرار الأسرة في المجتمعات
الإسلامية.
دراسة
الشعراوي(1990) ركزت هذه الدراسة على
مفهوم العدالة الاجتماعية في الإسلام، وكيف يمكن تحقيقها من خلال تطبيق مبادئ
الشريعة الإسلامية. ناقشت أيضًا دور الزكاة والصدقات في تحقيق العدالة الاقتصادية
(محمد متولي الشعراوي، 1990، ص. 56). قدمت هذه الدراسة رؤية شاملة حول أهمية
العدالة الاجتماعية في بناء المجتمع الراشد. ومع ذلك، لم تتناول الجوانب السياسية
والاجتماعية التي تؤثر على تحقيق العدالة.
الدراسات
السابقة قدمت رؤى قيمة حول الأسس البنيوية والتربوية للمجتمع الراشد. وغطت موضوعات
مهمة مثل التربية الإسلامية، التنمية المستدامة، والشورى.
النقاط
التي أغفلتها الدراسات السابقة:
لم
تتعمق معظم الدراسات في تقديم استراتيجيات عملية لتفعيل النموذج القرآني للمجتمع
الراشد.
بعض
الدراسات ركزت فقط على جانب واحد من الجوانب (مثل الجانب الاقتصادي أو الثقافي)،
دون تقديم رؤية شاملة.
لم يتم
التركيز بشكل كافٍ على دور التكنولوجيا والإعلام في مواجهة التحديات الفكرية
والثقافية.
أهمية
البحث الحالي:
يستفيد
البحث الحالي من الدراسات السابقة ويحاول سد الفجوات التي أغفلتها. يركز البحث على
تقديم رؤية شاملة ومتكاملة لتفعيل النموذج القرآني للمجتمع الراشد، مع التركيز على
الجوانب النظرية والعملية. كما يقدم البحث استراتيجيات عملية لمواجهة التحديات
الفكرية، الاجتماعية، الاقتصادية، والسياسية التي تعيق بناء المجتمع الراشد.
الإطار
النظري
المحور
الأول: الإطار النظري والتأصيل لمفهوم المجتمع الراشد
-
مفهوم المجتمع الراشد في القرآن الكريم
أ.
تعريف المجتمع الراشد لغة واصطلاحًا
تعددت
التعريفات التي تناولت مفهوم المجتمع الراشد، وسيتطرق البحث إلى هذه التعريفات لاستكشاف
أبعادها المختلفة وتحليلها.
لغة:
كلمة
"المجتمع" تأتي من الجذر الثلاثي "جَمَعَ"، وهو يشير إلى
الاجتماع أو التجمع. وفي اللغة العربية، يعني "المجتمع" مجموعة من
الأفراد الذين يتشاركون في مكان جغرافي واحد أو أهداف مشتركة (الفيروزآبادي، 1984،
ص. 45). أما كلمة "راشد"، فهي صفة تُطلق على الشخص الذي بلغ مرحلة النضج
العقلي والفكري والاجتماعي، ويصبح قادرًا على تحمل المسؤوليات واتخاذ القرارات
الرشيدة بناءً على قيم وأخلاقيات سليمة (الزمخشري، 1987، ص. 78).
اصطلاحًا:
يعرّف
الدكتور يوسف القرضاوي (2005، ص. 34) المجتمع الراشد بأنه "مجتمع يقوم على
أسس إسلامية راسخة، يتميز بالعدل، الشورى، التكافل، والأخلاق الفاضلة، ويهدف إلى
تحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية الكبرى".
يرى
محمد الغزالي (1998، ص. 67) أن المجتمع الراشد هو "المجتمع الذي يحقق التوازن
بين الروح والمادة، وبين الفرد والجماعة، من خلال تطبيق القيم الإسلامية التي تدعو
إلى التعاون والتضامن".
يعرّف
عبد الله العمر (2010، ص. 89) المجتمع الراشد بأنه "مجموعة من الأفراد الذين
يعيشون في إطار من القيم الإسلامية، ويعملون معًا لتحقيق التنمية المستدامة
والاستقرار الاجتماعي".
يصف
الشعراوي (1990، ص. 56) المجتمع الراشد بأنه "الكيان الاجتماعي الذي يعتمد
على الهداية الإلهية لتحقيق الاستقرار والتنمية، مع التركيز على تعزيز الأخلاق
الفاضلة والعلاقات الإنسانية السليمة".
من
خلال عرض هذه التعريفات، يلاحظ الباحث أنها تشترك جميعًا في التركيز على أهمية
القيم الإسلامية كأساس لبناء المجتمع الراشد. ومع ذلك، تختلف التعريفات في طبيعة
التركيز؛ حيث ركز القرضاوي على مقاصد الشريعة الإسلامية، بينما أبرز الغزالي أهمية
التوازن بين الروح والمادة، وركز العمر على التنمية المستدامة، واهتم الشعراوي
بالهداية الإلهية والأخلاق الفاضلة.
يرى
الباحث: أن المجتمع الراشد هو ذلك الكيان الاجتماعي الذي يتحقق فيه التوازن بين
الفرد والجماعة، وبين الروح والمادة، من خلال تطبيق المبادئ الإسلامية التي تدعو
إلى العدل، الشورى، التكافل، والأخلاق الفاضلة. ويتميز هذا المجتمع بقدرته على تحقيق
مقاصد الشريعة الإسلامية الكبرى، مع توفير بيئة مستقرة تتيح للأفراد والجماعات
تحقيق أقصى إمكاناتهم في إطار من التعاون والمسؤولية المشتركة.
ب.
الأصول القرآنية للمجتمع الراشد
تعد
الأصول القرآنية هي الأساس الذي يستند إليه مفهوم المجتمع الراشد، حيث قدم القرآن
الكريم العديد من الآيات التي توضح كيفية بناء مجتمع متوازن ومتكامل.
آيات
العدل:
وضع
القرآن الكريم العدل كأساس للحياة الاجتماعية السليمة. قال تعالى: "إِنَّ
اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ
وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ" (النحل: 90).
العدل
في الإسلام لا يقتصر على القضاء بين الناس فقط، بل يشمل جميع جوانب الحياة، بما في
ذلك العدالة الاجتماعية، الاقتصادية، والسياسية. وهو الأساس الذي يحقق الاستقرار
في المجتمع (الطبري، 1984، ص. 112).
في عهد
الخليفة عمر بن الخطاب، كان نظام توزيع الثروات بشكل عادل بين الأفراد نموذجًا
عمليًا لتحقيق العدالة الاقتصادية.
آيات
الشورى:
الشورى
هي أحد الركائز الأساسية للمجتمع الراشد، حيث تعزز المشاركة المجتمعية في اتخاذ
القرارات. قال تعالى: "وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ" (الشورى: 38).
الشورى
تعكس قيم الديمقراطية الإسلامية التي تقوم على الحوار والتفاهم، وهي ضمانة لتجنب
الظلم والاستبداد (الصابوني، 1980، ص. 76).
في
غزوة الأحزاب، استشار النبي محمد صلى الله عليه وسلم الصحابة قبل اتخاذ القرار
النهائي، مما يعكس أهمية الشورى في اتخاذ القرارات المصيرية.
آيات
الأخلاق:
الأخلاق
الفاضلة هي العمود الفقري للمجتمع الراشد. قال تعالى: "وَلَا تَسْتَوِي
الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" (فصلت:
34).
الأخلاق
ليست مجرد قيم شخصية، بل هي نظام شامل ينظم العلاقات بين الأفراد والمجتمعات،
ويحقق التوازن بين الحقوق والواجبات (الغزالي، 1998، ص. 102).
في بعض
الدول الإسلامية، مثل ماليزيا، تم تطبيق برامج تعزز من الأخلاق الفاضلة في
المؤسسات التعليمية والإعلامية.
يجمل
الباحث أن الأصول القرآنية للمجتمع الراشد تركز على تحقيق العدل كركيزة أساسية، مع
تعزيز المشاركة المجتمعية من خلال الشورى، وتعميق القيم الأخلاقية كعامل موحد بين
أفراد المجتمع. هذه الأصول تشكل الإطار العام الذي يمكن من خلاله بناء مجتمع
متكامل يحقق مقاصد الشريعة الإسلامية.
ج.
الفطرة السليمة والإنسان في المجتمع الراشد
لعبت
الفطرة السليمة دورًا محوريًا في فهم العلاقة بين الإنسان والمجتمع في التصور
الإسلامي.
الفطرة
الإنسانية:
الإنسان
خلق على فطرة الإسلام، وهي فطرة سليمة تدفعه نحو الخير والقيم الأخلاقية. قال
تعالى: "فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ
النَّاسَ عَلَيْهَا" (الروم: 30).
الفطرة
السليمة تجعل الإنسان قادرًا على التمييز بين الخير والشر، وهو ما يشكل الأساس
النفسي والأخلاقي للمجتمع الراشد (القرضاوي، 2005، ص. 45).
في عهد
النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كانت الفطرة السليمة عاملاً أساسيًا في استجابة
الناس للدعوة الإسلامية.
الهداية
الإلهية:
القرآن
الكريم يقدم نموذجًا للهداية الإلهية التي تساعد الأفراد على تحقيق التوازن بين
الروح والمادة. قال تعالى: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا
لِيَعْبُدُونِ" (الذاريات: 56).
الهداية
تؤدي إلى بناء مجتمع مستقر ومتكامل، حيث تكون العلاقة بين الإنسان وخالقه أساسًا
لكل العلاقات الأخرى (الشعراوي، 1990، ص. 68).
في بعض
المجتمعات الإسلامية، تُستخدم المساجد كمراكز لنشر الوعي الديني وتعزيز الهوية
الإسلامية.
يستنتج
الباحث أن الفطرة السليمة والهداية الإلهية هما الأساس الذي يحدد مسار المجتمع
الراشد. من خلال تعزيز هذه القيم، يمكن تحقيق التوازن بين الروح والمادة، وبين
الفرد والمجتمع، مما يؤدي إلى بناء مجتمع مستقر ومزدهر.
المحور
الثاني: الأسس البنيوية والتربوية للمجتمع الراشد
1. الأسس البنيوية للمجتمع الراشد
تعددت التعريفات التي تناولت الأسس البنيوية للمجتمع الراشد، حيث حاول
العلماء والباحثون تحديد العناصر الجوهرية التي يقوم عليها هذا المجتمع. وسيتطرق
البحث إلى هذه التعريفات لتحليلها واستخلاص الرؤى المشتركة بينها.
يرى
الدكتور يوسف القرضاوي (2005، ص. 34) أن الأسس البنيوية للمجتمع الراشد تشمل
"العدل كركيزة أساسية، والشورى كآلية لتحقيق المشاركة المجتمعية، والتكافل
الاجتماعي كوسيلة لتعزيز التعاون بين الأفراد".
يعرّف
محمد الغزالي (1998، ص. 67) الأسس البنيوية بأنها "مجموعة من القيم والمبادئ
التي تنظم العلاقات بين الأفراد والمجتمعات، وتهدف إلى تحقيق التوازن بين الحقوق
والواجبات".
يرى
عبد الله العمر (2010، ص. 89) أن الأسس البنيوية هي "القواعد التي تضمن
استقرار المجتمع وتحقيق التنمية المستدامة، بما في ذلك العدل، الشورى، والأخلاق
الفاضلة".
يصف
الشعراوي (1990، ص. 56) الأسس البنيوية بأنها "الأعمدة التي يقوم عليها
المجتمع، والتي تشمل العدل، الأخلاق، والتعاون، وهي التي تضمن تحقيق مقاصد الشريعة
الإسلامية".
من
خلال عرض هذه التعريفات، يلاحظ الباحثان أن جميعها تتفق على أن الأسس البنيوية
للمجتمع الراشد تدور حول العدل، الشورى، التكافل، والأخلاق الفاضلة. ومع ذلك،
تختلف التعريفات في طبيعة التركيز؛ حيث ركز القرضاوي على الجانب العملي لهذه
الأسس، بينما أبرز الغزالي أهمية التوازن بين الحقوق والواجبات، وركز العمر على
التنمية المستدامة، واهتم الشعراوي بربط هذه الأسس بمقاصد الشريعة الإسلامية.
يرى
الباحثان:
أن
الأسس البنيوية للمجتمع الراشد هي مجموعة من القيم والمبادئ التي تهدف إلى تحقيق
الاستقرار والتنمية المستدامة، وتتضمن العدل كركيزة أساسية، والشورى كآلية لتحقيق
المشاركة المجتمعية، والتكافل الاجتماعي كوسيلة لتعزيز التعاون بين الأفراد، مع
التركيز على الأخلاق الفاضلة كعنصر موحد بين جميع أفراد المجتمع.
ب.
نظام العدل
أهمية
العدل في الإسلام:
العدل
هو حجر الزاوية في المجتمع الإسلامي، وهو الأساس الذي يحقق الاستقرار والتنمية
المستدامة. قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ
وَالْإِحْسَانِ" (النحل: 90).
العدل
في الإسلام لا يقتصر على القضاء بين الناس فقط، بل يشمل جميع جوانب الحياة، بما في
ذلك العدالة الاجتماعية، الاقتصادية، والسياسية (الطبري، 1984، ص. 112).
تطبيق
العدل في المجتمع:
تحقيق
المساواة بين الأفراد في الحقوق والواجبات دون تمييز على أساس الدين، الجنس، أو
الانتماء الاجتماعي.
ضمان
أن تكون القوانين والأنظمة التي تحكم المجتمع عادلة ومنصفة، وتستند إلى الشريعة
الإسلامية (الصابوني، 1980، ص. 76).
الخلافة
الراشدة تعد نموذجًا تاريخيًا لتطبيق العدل في الحكم. الخليفة عمر بن الخطاب رضي
الله عنه كان مثالًا بارزًا للقائد العادل الذي وضع قوانين صارمة لتحقيق العدالة
بين الناس (القرضاوي، 2005، ص. 45).
في بعض
الدول الإسلامية، مثل ماليزيا، تم إنشاء مؤسسات زكوية حديثة تعمل على توزيع
الثروات بشكل عادل بين الأفراد، مما ساهم في تحقيق العدالة الاقتصادية (العمر،
2010، ص. 92).
يجمل
الباحثان: أن العدل هو الأساس الذي يضمن استقرار المجتمع وتحقيق التنمية
المستدامة. من خلال تطبيق العدل، يمكن تحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات، مما
يؤدي إلى بناء مجتمع متكامل يحقق مقاصد الشريعة الإسلامية.
ج.
نظام الشورى
مفهوم
الشورى في الإسلام:
الشورى
هي أحد الركائز الأساسية للحكم في الإسلام. قال تعالى: "وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ
بَيْنَهُمْ" (الشورى: 38).
تعريف
الشورى: هي عملية استشارة الأفراد ذوي الخبرة والاختصاص في اتخاذ القرارات
المجتمعية أو السياسية (العمر، 2010، ص. 85).
أهمية
الشورى في تحقيق الاستقرار:
الشورى
تعزز المشاركة المجتمعية في صنع القرار، مما يؤدي إلى تعزيز الثقة بين الحاكم
والمحكوم. من خلال الشورى، يتم تجنب الاستبداد والظلم، ويتحقق التفاهم بين أفراد
المجتمع (الغزالي، 1998، ص. 78).
تطبيقات
الشورى في التاريخ الإسلامي:
خلال
عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كانت الشورى جزءًا أساسيًا من اتخاذ القرارات.
على سبيل المثال، قرار غزوة الأحزاب كان نتيجة مشورة الصحابة (الشعراوي، 1990، ص.
62).
في بعض
الدول الإسلامية، مثل تركيا وإندونيسيا، تم إنشاء مجالس استشارية تمثل مختلف فئات
المجتمع، بحيث يتم اتخاذ القرارات بناءً على مشورة هؤلاء الأفراد (الصابوني، 1980،
ص. 81).
يستنتج
الباحثان: أن الشورى هي آلية فعالة لتحقيق المشاركة المجتمعية وتجنب الظلم
والاستبداد. من خلال تطبيق الشورى، يمكن تحقيق التوازن بين السلطة والمسؤولية، مما
يؤدي إلى بناء مجتمع مستقر ومزدهر.
د.
نظام التكافل الاجتماعي
مفهوم
التكافل الاجتماعي:
التكافل
الاجتماعي يعني التعاون والتضامن بين أفراد المجتمع لتحقيق المصالح المشتركة. في
الإسلام، يتجلى التكافل الاجتماعي في فرضيات مثل الزكاة والصدقات، التي تهدف إلى
تقليص الفجوة بين الأغنياء والفقراء (الصابوني، 1980، ص. 95).
دور
الزكاة في تحقيق التكافل الاقتصادي:
الزكاة
هي ركن من أركان الإسلام، وهي آلية لتوزيع الثروة بشكل عادل في المجتمع. الزكاة
تساعد في توفير الاحتياجات الأساسية للفقراء والمحتاجين، مما يعزز الاستقرار
الاجتماعي (القرضاوي، 2005، ص. 52).
أمثلة
تاريخية وواقعية على التكافل الاجتماعي:
خلال
عهد الخليفة عمر بن الخطاب، تم إنشاء نظام "بيت المال" لتوزيع المساعدات
المالية على المحتاجين، مما ساهم في تحقيق التكافل الاجتماعي.
في بعض
الدول الإسلامية، مثل السودان، تم استخدام الزكاة لتمويل المشاريع الصغيرة التي توفر
فرص عمل للشباب، مما يساهم في تحقيق التنمية المستدامة (العمر، 2010، ص. 98).
يجمل
الباحثان أن التكافل الاجتماعي هو عنصر أساسي في بناء مجتمع مستقر ومتكامل. من
خلال تعزيز التعاون والتضامن بين الأفراد، يمكن تحقيق التوازن بين الطبقات
الاجتماعية، مما يؤدي إلى بناء مجتمع ينعم بالاستقرار والعدالة.
هـ.
نظام الأخلاق
أهمية
الأخلاق في الإسلام:
الأخلاق
الفاضلة هي العمود الفقري للمجتمع الراشد. قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ
يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ" (النحل: 90).
الأخلاق
ليست مجرد قيم شخصية، بل هي نظام شامل ينظم العلاقات بين الأفراد والمجتمعات
(الغزالي، 1998، ص. 88).
دور
الأخلاق في تحقيق الاستقرار المجتمعي:
الأخلاق
الفاضلة تقلل من الجرائم والصراعات الاجتماعية، وتعزز الروابط بين أفراد المجتمع.
من خلال غرس القيم الأخلاقية، يمكن تحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات (الشعراوي،
1990، ص. 70).
أمثلة
تاريخية وواقعية على تعزيز الأخلاق:
في عهد
النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كان الصحابة نموذجًا للتربية السليمة التي اعتمدت
على القيم الإسلامية.
في بعض
الدول الإسلامية، مثل الإمارات العربية المتحدة، تم تبني برامج تعزز من الأخلاق الفاضلة
في المؤسسات التعليمية والإعلامية.
يستنتج
الباحثان أن الأخلاق الفاضلة هي العنصر الأساسي الذي يضمن استقرار المجتمع وتحقيق
التنمية المستدامة. من خلال تعزيز القيم الأخلاقية، يمكن تحقيق التوازن بين الروح
والمادة، وبين الفرد والمجتمع.
3. الأسس التربوية للمجتمع الراشد
تعددت
التعريفات التي تناولت الأسس التربوية للمجتمع الراشد، حيث حاول العلماء تحديد
العناصر التي تسهم في تشكيل الشخصية الإسلامية وبناء مجتمع متكامل قائم على القيم
الإسلامية.
يرى
الدكتور يوسف القرضاوي (2005، ص. 42) أن الأسس التربوية للمجتمع الراشد تشمل
"غرس القيم الإسلامية في نفوس الأفراد منذ الصغر، وتعزيز الهوية الإسلامية،
وتربية الأجيال على المسؤولية الاجتماعية".
يعرّف
محمد الغزالي (1998، ص. 75) الأسس التربوية بأنها "عملية تعليمية شاملة تهدف
إلى تشكيل شخصية الفرد المسلم وفق القيم الإسلامية، مع التركيز على الأخلاق
الفاضلة والمسؤولية المجتمعية".
يرى
عبد الله العمر (2010، ص. 91) أن الأسس التربوية هي "مجموعة من الآليات التي
تهدف إلى تعزيز الوعي الثقافي والديني لدى الأفراد، بحيث يصبحون قادرين على
المساهمة في بناء مجتمع مستقر ومزدهر".
يصف
الشعراوي (1990، ص. 60) الأسس التربوية بأنها "الأدوات التي يتم من خلالها
غرس القيم الإسلامية في نفوس الأفراد، بحيث تصبح هذه القيم جزءًا لا يتجزأ من
سلوكهم اليومي".
يرى
الباحثان: أن الأسس التربوية للمجتمع الراشد هي مجموعة من الآليات التعليمية
والتربوية التي تهدف إلى غرس القيم الإسلامية في نفوس الأفراد منذ الصغر، مع تعزيز
الهوية الإسلامية وترسيخ الأخلاق الفاضلة كعنصر أساسي في شخصية الفرد. كما تهدف
هذه الأسس إلى تربية الأجيال على المسؤولية الاجتماعية وتشجيعهم على المساهمة في
بناء مجتمع مستقر ومتكامل.
ب.
التربية على القيم الإسلامية
دور
المؤسسات التعليمية:
المؤسسات
التعليمية تلعب دورًا محوريًا في غرس القيم الإسلامية في نفوس الأفراد منذ الصغر.
المناهج الدراسية يجب أن تركز على تعليم الأخلاق الإسلامية، مثل الصدق، الأمانة،
والتسامح (الصابوني، 1980، ص. 84).
التربية
في المنزل:
الأسرة
هي المؤسسة الأولى التي تربي الأفراد. لذلك، يجب أن تكون الأسرة مستندة إلى القيم
الإسلامية، وأن تعمل على غرس هذه القيم في نفوس الأبناء (القرضاوي، 2005، ص. 48).
أمثلة
تاريخية وواقعية على التربية الإسلامية:
في
التاريخ الإسلامي، كان للبيت النبوي دور كبير في تربية الأجيال على القيم
الإسلامية. الصحابة كانوا نموذجًا للتربية السليمة التي اعتمدت على القيم
الإسلامية، حيث تم غرس الأخلاق الفاضلة والمسؤولية الاجتماعية في نفوسهم منذ الصغر
(الشعراوي، 1990، ص. 65).
في بعض
الدول الإسلامية، مثل ماليزيا وإندونيسيا، تم إدخال مواد تعليمية تركز على القيم
الإسلامية في المناهج الدراسية، مما ساهم في تعزيز الهوية الإسلامية وغرس الأخلاق
الفاضلة لدى الطلاب (العمر، 2010، ص. 94).
يجمل
الباحثان: أن التربية على القيم الإسلامية هي الأساس الذي يضمن بناء مجتمع مستقر
ومتكامل. من خلال غرس القيم الإسلامية في نفوس الأفراد منذ الصغر، يمكن تحقيق
التوازن بين الروح والمادة، وبين الفرد والمجتمع.
ج.
تعزيز الهوية الإسلامية
الحفاظ
على الهوية الثقافية:
الهوية
الإسلامية هي جزء لا يتجزأ من شخصية المسلم. لذلك، يجب العمل على تعزيز هذه الهوية
من خلال التعليم والإعلام (العمر، 2010، ص. 88).
مواجهة
التحديات الثقافية التي تهدد الهوية الإسلامية:
الثقافات
الغربية ذات الطابع العلماني أو الليبرالي تؤثر بشكل كبير على الهوية الإسلامية.
هذه الثقافات غالبًا ما تروج لمفاهيم تتناقض مع القيم الإسلامية، مثل الفردانية،
الإلحاد، والانحلال الأخلاقي (الغزالي، 1998، ص. 79).
دور
المؤسسات الدينية:
المؤسسات
الدينية، مثل المساجد والمدارس القرآنية، تلعب دورًا مهمًا في تعزيز الهوية
الإسلامية ونشر الوعي الثقافي. في التاريخ الإسلامي، كانت المساجد مركزًا للتعليم
والتوجيه الديني، حيث كانت تُعقد فيها دروس العلم والوعظ (الصابوني، 1980، ص. 82).
أمثلة
تاريخية وواقعية على تعزيز الهوية الإسلامية:
خلال
عهد الخليفة عمر بن الخطاب، تم تعزيز الهوية الإسلامية من خلال نشر التعليم الديني
وتشجيع المسلمين على التمسك بقيم دينهم (القرضاوي، 2005، ص. 50).
في بعض
الدول الإسلامية، مثل تركيا وإيران، تم استخدام الإعلام الجديد لنشر القيم
الإسلامية وتعزيز الهوية الإسلامية، مما ساهم في مواجهة الحملات المعادية للإسلام
(العمر، 2010، ص. 96).
يستنتج
الباحثان: أن تعزيز الهوية الإسلامية هو عنصر أساسي في بناء مجتمع مستقر ومتكامل.
من خلال تعزيز الهوية الإسلامية، يمكن تحقيق التوازن بين الروح والمادة، وبين
الفرد والمجتمع.
د.
تربية الأجيال على المسؤولية الاجتماعية
تشجيع
العمل التطوعي:
العمل
التطوعي هو وسيلة فعالة لتعزيز المسؤولية الاجتماعية لدى الأفراد. من خلال العمل
التطوعي، يتعلم الأفراد أهمية التعاون والتضامن في حل المشكلات المجتمعية
(الشعراوي، 1990، ص. 72).
دور
المؤسسات المجتمعية:
المؤسسات
المجتمعية، مثل الجمعيات الخيرية والمنظمات غير الحكومية، تلعب دورًا مهمًا في
تعزيز المسؤولية الاجتماعية. يمكن لهذه المؤسسات تنظيم حملات توعية حول مخاطر
الجرائم والمخدرات وتشجيع العمل التطوعي (الصابوني، 1980، ص. 86).
أمثلة
تاريخية وواقعية على المسؤولية الاجتماعية:
في
التاريخ الإسلامي، كانت المؤسسات المجتمعية مثل "بيت المال" تلعب دورًا
كبيرًا في تعزيز المسؤولية الاجتماعية وتوفير الاحتياجات الأساسية للمحتاجين
(العمر، 2010، ص. 97).
في بعض
الدول الإسلامية، مثل المغرب ومصر، تم إنشاء برامج عمل تطوعي تستهدف الشباب، مما
ساهم في تعزيز المسؤولية الاجتماعية وتقليل معدلات البطالة (القرضاوي، 2005، ص.
53).
يجمل
الباحثان أن تربية الأجيال على المسؤولية الاجتماعية هو عنصر أساسي في بناء مجتمع
مستقر ومتكامل. من خلال تعزيز المسؤولية الاجتماعية، يمكن تحقيق التوازن بين الروح
والمادة، وبين الفرد والمجتمع.
المحور
الثالث: إسهامات المجتمع الراشد في تحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية
إسهامات
المجتمع الراشد
تعددت
التعريفات التي تناولت إسهامات المجتمع الراشد في تحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية،
حيث حاول العلماء تحديد الآليات التي يسهم من خلالها هذا المجتمع في تحقيق الأهداف
الكبرى للشريعة.
يرى
الدكتور يوسف القرضاوي (2005) أن إسهامات المجتمع الراشد تتمثل في "تحقيق
العدل والشورى كوسائل لتحقيق مقاصد الشريعة، وتعزيز الأخلاق الفاضلة لضمان
الاستقرار المجتمعي".
يعرّف
محمد الغزالي (1998) هذه الإسهامات بأنها "مجموعة من الجهود المتكاملة التي
تهدف إلى تحقيق التوازن بين الروح والمادة، وبين الفرد والمجتمع، بما يتماشى مع
مقاصد الشريعة الإسلامية".
يرى
عبد الله العمر (2010) أن إسهامات المجتمع الراشد هي "الأدوات التي يتم من
خلالها تحقيق التنمية المستدامة واستقرار المجتمع، بما يحقق مقاصد الشريعة الكبرى".
يصف
الشعراوي (1990) هذه الإسهامات بأنها "الأسس التي يقوم عليها المجتمع الراشد،
والتي تسهم في تحقيق الأمن الاجتماعي، والاستقرار السياسي، والتقدم الحضاري".
من
خلال عرض التعريفات السابقة، يلاحظ الباحثان أنها تشترك جميعًا في التركيز على
أهمية تحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية من خلال المجتمع الراشد. ومع ذلك، تختلف
التعريفات في طبيعة التركيز؛ حيث ركز القرضاوي على العدل والشورى، بينما أبرز
الغزالي أهمية التوازن بين الروح والمادة، وركز العمر على التنمية المستدامة،
واهتم الشعراوي بالأمن الاجتماعي والاستقرار السياسي.
بناءً
على تحليل التعريفات السابقة، يرى الباحثان أن إسهامات المجتمع الراشد تتمثل في
مجموعة من الجهود المتكاملة التي تهدف إلى تحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية الكبرى،
بما في ذلك حفظ الدين، النفس، العقل، النسل، والمال. وتتحقق هذه الإسهامات من خلال
تطبيق العدل والشورى، تعزيز الأخلاق الفاضلة، وتحقيق التكافل الاجتماعي، مما يؤدي
إلى بناء مجتمع مستقر ومزدهر.
1- حفظ
الدين
أهمية حفظ الدين:
الدين
هو الأساس الذي يقوم عليه المجتمع الإسلامي، وهو الذي يحدد القيم والمبادئ التي
يعيش عليها الأفراد.
قال
تعالى: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ
وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنكَرِ" (النحل:
90).
دور المؤسسات الدينية:
المؤسسات
الدينية، مثل المساجد والمدارس القرآنية، تلعب دورًا مهمًا في تعزيز الهوية
الإسلامية ونشر الوعي الديني (الصابوني، 1980).
مواجهة التحديات الفكرية:
هناك
تحديات فكرية كبيرة تواجه المجتمعات الإسلامية، مثل الإلحاد والعلمانية. المجتمع
الراشد يعمل على مواجهة هذه التحديات من خلال تعزيز التعليم الديني ونشر الوعي
الثقافي (العمر، 2010).
يجمل
الباحثان مما سبق أن حفظ الدين هو الأساس الذي يضمن استقرار المجتمع وتحقيق
التنمية المستدامة. من خلال تعزيز القيم الدينية، يمكن تحقيق التوازن بين الروح
والمادة، وبين الفرد والمجتمع.
2-
حفظ النفس
توفير بيئة صحية وأخلاقية: المجتمع
الراشد يسعى إلى توفير بيئة صحية وأخلاقية تحقق الاستقرار النفسي والاجتماعي
للأفراد.
محاربة
الجرائم والانحرافات السلوكية من خلال تعزيز القيم الأخلاقية وتطبيق العدالة (بن
باز، 1995).
خلال
عهد الخليفة عمر بن الخطاب، تم وضع قوانين صارمة لحماية النفس البشرية، مثل تطبيق
حدود الله وضمان حقوق الأفراد (القرضاوي، 2005).
يستنتج
الباحثان أن حفظ النفس هو عنصر أساسي في بناء مجتمع مستقر ومتكامل. من خلال توفير
بيئة صحية وأخلاقية، يمكن تحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات، مما يؤدي إلى بناء
مجتمع ينعم بالاستقرار والأمان.
3- حفظ
العقل
تعزيز التعليم والبحث العلمي:
العقل
هو أداة التفكير والابتكار، ولذلك يسعى المجتمع الراشد إلى تعزيز التعليم والبحث
العلمي.
محاربة
الجهل والخرافات من خلال نشر الوعي العلمي والثقافي (القرضاوي، 2005).
في
التاريخ الإسلامي، كان للعلماء دور كبير في تعزيز التعليم والبحث العلمي، مما أدى
إلى تقدم الحضارة الإسلامية (الشعراوي، 1990).
يجمل
الباحثان مما سبق أن حفظ العقل هو الأساس الذي يضمن تقدم المجتمع وازدهاره. من
خلال تعزيز التعليم والبحث العلمي، يمكن تحقيق التوازن بين الروح والمادة، وبين
الفرد والمجتمع.
4- حفظ
النسل
دعم
الأسرة وتربية الأجيال:
الأسرة
هي الوحدة الأساسية للمجتمع، ولذلك يسعى المجتمع الراشد إلى دعم استقرار الأسرة
وتوجيهها نحو تربية الأجيال وفق القيم الإسلامية.
مواجهة
التحديات التي تهدد استقرار الأسرة، مثل الطلاق والتفكك الأسري (الشعراوي، 1990).
خلال
عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كانت الأسرة المسلمة نموذجًا للتربية السليمة
التي اعتمدت على القيم الإسلامية (القرضاوي، 2005).
يستنتج
الباحثان أن حفظ النسل هو عنصر أساسي في بناء مجتمع مستقر ومتكامل. من خلال دعم
الأسرة وتربية الأجيال، يمكن تحقيق التوازن بين الروح والمادة، وبين الفرد
والمجتمع.
5-
حفظ المال
تحقيق العدالة الاقتصادية:
المجتمع
الراشد يعمل على تحقيق العدالة الاقتصادية ومنع التفاوت الطبقي من خلال سياسات
اقتصادية متوازنة.
محاربة
الفساد المالي والإداري من خلال تعزيز الشفافية والمساءلة (الصابوني، 1980).
خلال
عهد الخليفة عمر بن الخطاب، تم إنشاء نظام "بيت المال" لتوزيع الثروة
بشكل عادل بين الأفراد، مما ساهم في تحقيق العدالة الاقتصادية (العمر، 2010).
يجمل
الباحثان مما سبق أن حفظ المال هو الأساس الذي يضمن استقرار المجتمع وتحقيق
التنمية المستدامة. من خلال تحقيق العدالة الاقتصادية، يمكن تحقيق التوازن بين
الروح والمادة، وبين الفرد والمجتمع.
المحور الرابع: التحديات التي تواجه تحقيق
المجتمع الراشد
-
التحديات الفكرية والثقافية
من
أبرز التحديات التي تعيق بناء مجتمع إسلامي راشد هي تلك المتعلقة بالفكر والثقافة.
في ظل العولمة والتكنولوجيا الحديثة، أصبحت المجتمعات الإسلامية معرضة لاختراق
فكري وثقافي يهدد الهوية الإسلامية ويضعف القيم الدينية.
اختراق
الثقافات الغربية:
الثقافات
الغربية ذات الطابع العلماني أو الليبرالي تؤثر بشكل كبير على الهوية الإسلامية.
هذه الثقافات غالبًا ما تروج لمفاهيم تتناقض مع القيم الإسلامية، مثل الفردانية،
الإلحاد، والانحلال الأخلاقي (محمد عمارة، 2012، ص. 45).
انتشار
الأفلام والمسلسلات الغربية التي تُروج لقيم استهلاكية وإباحية أثرت بشكل مباشر
على الشباب المسلم، مما أدى إلى تراجع القيم الإسلامية مثل الحياء والعفة.
انتشار
الفكر الإلحادي أو العلماني:
الفكر
الإلحادي والعلمانية أصبحا من أخطر التحديات التي تواجه المجتمعات الإسلامية. هذه
الأفكار تُروج للانفصال بين الدين والحياة العامة، مما يؤدي إلى تآكل القيم
الإسلامية.
في بعض
الدول الإسلامية، نجد أن المؤسسات الإعلامية والتعليمية تعزز من الفكر العلماني،
مما يؤدي إلى تراجع مكانة الدين في الحياة اليومية (علي شريعتي، 2007، ص. 68).
يمكن
أيضًا ملاحظة هذا الاختراق في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يتم نشر أفكار تدعو
إلى التحرر من القيم الدينية تحت ستار الحرية الشخصية.
دور
المؤسسات التعليمية والإعلامية:
المؤسسات
التعليمية والإعلامية يمكن أن تكون أدوات فعالة في مواجهة هذه التحديات من خلال
تعزيز الوعي الثقافي والديني.
في
ماليزيا، تم إدخال مواد تعليمية تركز على القيم الإسلامية في المناهج الدراسية،
مما ساهم في تعزيز الهوية الإسلامية وغرس الأخلاق الفاضلة لدى الطلاب (عبد الكريم
زيدان، 2015، ص. 89).
يرى
الباحثان: أن التحديات الفكرية والثقافية تتطلب جهودًا متكاملة من المؤسسات
التعليمية والإعلامية لتعزيز الهوية الإسلامية ومواجهة الأفكار الدخيلة. من خلال
بناء مناهج تعليمية متوازنة وتعزيز الوعي الثقافي، يمكن للمجتمعات الإسلامية أن
تحافظ على قيمها وهويتها في مواجهة العولمة.
-
التحديات الاجتماعية
التحديات
الاجتماعية تعد من أكبر العقبات التي تعيق بناء مجتمع إسلامي متكامل. ضعف الروابط
الاجتماعية وتفكك الأسرة يؤديان إلى انهيار المجتمع ككل.
ضعف
الروابط الاجتماعية:
ضعف
الروابط الاجتماعية يؤدي إلى انعدام التعاون والتضامن بين أفراد المجتمع، مما يجعل
المجتمع عرضة للانقسامات والصراعات.
قال
تعالى: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا"
(آل عمران: 103).
مثال
معاصر: في بعض المجتمعات الإسلامية، نجد أن الروابط الاجتماعية قد ضعفت بسبب
الانشغال بالحياة المادية والاهتمامات الفردية، مما أدى إلى تراجع التعاون
والتضامن بين الأفراد (راشد الغنوشي، 2018، ص. 72).
تفكك
الأسرة:
تفكك
الأسرة هو أحد أخطر التحديات الاجتماعية التي تواجه المجتمعات الإسلامية. الطلاق
والمشاكل الزوجية أصبحت ظاهرة منتشرة في العديد من الدول الإسلامية.
تشير
الإحصائيات إلى زيادة معدلات الطلاق في بعض الدول الإسلامية نتيجة لغياب التربية
السليمة وضعف الالتزام بالقيم الإسلامية (عبد الكريم زيدان، 2015، ص. 92).
انتشار
الجرائم والمخدرات:
انتشار
الجرائم والمخدرات هو نتيجة مباشرة لضعف القيم الأخلاقية في المجتمع.
تشير
الإحصائيات إلى زيادة معدلات الجرائم المرتبطة بالمخدرات في بعض المجتمعات
الإسلامية نتيجة لغياب التربية السليمة (راشد الغنوشي، 2018، ص. 75).
دور
المؤسسات المجتمعية:
المؤسسات
المجتمعية، مثل الجمعيات الخيرية والمنظمات غير الحكومية، يمكن أن تلعب دورًا
مهمًا في تعزيز الروابط الاجتماعية ومكافحة الجرائم.
في
مصر، تم تنظيم حملات توعية حول مخاطر الجرائم والمخدرات وتشجيع العمل التطوعي من
قبل الجمعيات الخيرية (عبد الكريم زيدان، 2015، ص. 95).
يستنتج
الباحثان: أن التحديات الاجتماعية تتطلب جهودًا مشتركة من الأفراد والمؤسسات
المجتمعية. من خلال تعزيز الروابط الاجتماعية ومواجهة الجرائم والمخدرات، يمكن
بناء مجتمع مستقر ومتماسك.
التحديات
الاقتصادية
التحديات
الاقتصادية تعد من أخطر العوامل التي تعيق تحقيق المجتمع الراشد. الفقر والبطالة
وعدم عدالة توزيع الثروات تؤدي إلى تفاقم المشاكل الاجتماعية والسياسية.
الفقر
والبطالة:
الفقر
والبطالة هما من أخطر التحديات التي تواجه المجتمعات الإسلامية، حيث يؤديان إلى
تراجع التنمية المستدامة وزيادة التوترات الاجتماعية.
قال
تعالى: "وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ"
(الذاريات: 19).
مثال
معاصر: في بعض الدول الإسلامية، نجد أن نسبة كبيرة من السكان تعاني من الفقر
والبطالة نتيجة لسوء إدارة الموارد الاقتصادية وعدم وجود سياسات اقتصادية متوازنة
(علي شريعتي، 2007، ص. 85).
عدم
عدالة توزيع الثروات:
عدم
عدالة توزيع الثروات يؤدي إلى تفاقم الفجوة بين الطبقات الاجتماعية، مما يزيد من
حدة التوترات الاجتماعية.
في بعض
الدول الإسلامية، نجد أن نسبة كبيرة من الثروات متركزة في أيدي قلة من الأفراد،
بينما يعاني غالبية السكان من الفقر (عبد الكريم زيدان، 2015، ص. 98).
دور
الزكاة والصدقات:
الزكاة
والصدقات يمكن أن تكون أدوات فعالة في تحقيق العدالة الاقتصادية وتقليل الفقر.
في
السودان، تم استخدام الزكاة لتمويل المشاريع الصغيرة التي توفر فرص عمل للشباب،
مما يساهم في تحقيق التنمية المستدامة (راشد الغنوشي، 2018، ص. 80).
يجمل
الباحثان أن التحديات الاقتصادية تتطلب سياسات اقتصادية متوازنة تعتمد على مبادئ
الشريعة الإسلامية، مثل الزكاة والصدقات. من خلال تحقيق العدالة الاقتصادية، يمكن
بناء مجتمع مستقر ومزدهر.
التحديات
السياسية
التحديات
السياسية تشكل عائقًا كبيرًا أمام تحقيق المجتمع الراشد. غياب العدل والشورى
والتدخلات الخارجية يؤديان إلى تقويض استقرار المجتمعات الإسلامية.
غياب
العدل والشورى:
غياب
العدل والشورى يؤدي إلى الاستبداد والظلم في المجتمعات الإسلامية.
قال
تعالى: "وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ" (الشورى: 38).
مثال
معاصر: في بعض الدول الإسلامية، نجد أن الأنظمة الحاكمة لا تعتمد على مبدأ الشورى
في اتخاذ القرارات، مما يؤدي إلى تزايد الاستبداد والفساد (راشد الغنوشي، 2018، ص.
82).
التدخلات
الخارجية:
التدخلات
الخارجية في شؤون الدول الإسلامية تؤدي إلى تقويض استقرار المجتمع وتهديد السيادة
الوطنية.
العديد
من الدول الإسلامية تعاني من التدخلات الأجنبية في شؤونها الداخلية، مما يؤدي إلى
زعزعة الاستقرار السياسي (علي شريعتي، 2007، ص. 88).
دور
المؤسسات السياسية:
المؤسسات
السياسية يمكن أن تكون أدوات فعالة في تحقيق العدل والشورى وتعزيز الاستقرار
السياسي.
في
تركيا، تم إنشاء أنظمة سياسية تعتمد على مبادئ الشورى والديمقراطية الإسلامية
لتحقيق المشاركة المجتمعية (عبد الكريم زيدان، 2015، ص. 102).
يلخص
الباحثان أن التحديات السياسية تتطلب جهودًا متكاملة من المؤسسات السياسية لتحقيق
العدل والشورى. من خلال تعزيز المشاركة المجتمعية ومواجهة التدخلات الخارجية، يمكن
بناء مجتمع مستقر وسياسيًا.
كما أن
مواجهة هذه التحديات تتطلب جهودًا متكاملة من الأفراد، المؤسسات التعليمية،
المجتمعية، والسياسية. من خلال تعزيز القيم الإسلامية وتحقيق العدل والشورى، يمكن
بناء مجتمع مستقر ومتكامل يحقق مقاصد الشريعة الإسلامية.
المحور الخامس: استراتيجيات تفعيل النموذج
القرآني للمجتمع الراشد
-
تعزيز التربية الإسلامية كأساس لتحقيق المجتمع الراشد
تعتبر
التربية الإسلامية حجر الزاوية في بناء مجتمع راشد قائم على القيم الإسلامية. فهي
ليست مجرد عملية تعليمية تقليدية، بل هي استراتيجية شاملة تهدف إلى تشكيل شخصية
الفرد المسلم منذ الصغر، بحيث يصبح قادرًا على تحمل المسؤوليات واتخاذ القرارات
بناءً على القيم الأخلاقية والدينية.
دور
الأسرة:
الأسرة
هي المؤسسة الأولى التي تؤثر في تشكيل شخصية الطفل. الأسرة المسلمة تحتاج إلى أن
تكون مستندة إلى القيم الإسلامية وأن تعمل على غرس هذه القيم في نفوس الأبناء.
مثال
تاريخي: كان البيت النبوي نموذجًا للتربية السليمة التي اعتمدت على القيم
الإسلامية. النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان يربي أبناءه وأحفاده على القيم
الإسلامية مثل الصدق، الأمانة، والتسامح (محمد عمارة، 2012، ص. 45).
دور
المؤسسات التعليمية:
المناهج
الدراسية يجب أن تدمج القيم الإسلامية بشكل يجعلها جزءًا لا يتجزأ من حياة الطلاب
اليومية. يمكن إدراج مواد تعليمية تركز على الأخلاق الإسلامية، مثل الصدق، العدل،
والإحسان.
في
ماليزيا، تم إدخال مواد تعليمية تركز على القيم الإسلامية في المناهج الدراسية،
مما ساهم في تعزيز الهوية الإسلامية وغرس الأخلاق الفاضلة لدى الطلاب (عبد الكريم
زيدان، 2015، ص. 89).
دور
المؤسسات المجتمعية والإعلامية:
المساجد
والمدارس القرآنية يمكن أن تكون أدوات فعالة في نشر الوعي الديني وتعزيز الهوية
الإسلامية.
مثال
معاصر: في بعض الدول الإسلامية، مثل تركيا وإندونيسيا، تم استخدام الإعلام الجديد
لنشر القيم الإسلامية وتعزيز الهوية الإسلامية، مما ساهم في مواجهة الحملات
المعادية للإسلام (طارق رمضان، 2013، ص. 75).
يرى
الباحثان: أن تعزيز التربية الإسلامية هو الأساس الذي يضمن بناء مجتمع مستقر
ومتكامل. من خلال غرس القيم الإسلامية في نفوس الأفراد منذ الصغر، يمكن تحقيق
التوازن بين الروح والمادة، وبين الفرد والمجتمع.
تطبيق
العدل والشورى كأساس للحكم والإدارة
تطبيق
العدل والشورى يعتبر من أهم الاستراتيجيات التي يمكن من خلالها تحقيق المجتمع
الراشد. العدل هو حجر الزاوية في الإسلام، وهو الأساس الذي يحقق الاستقرار
والتنمية المستدامة. الشورى، من جانب آخر، تعكس قيم الديمقراطية الإسلامية التي
تقوم على الحوار والتفاهم، وهي ضمانة لتجنب الظلم والاستبداد.
خلال
عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كانت الشورى جزءًا من اتخاذ القرارات
المصيرية، مثل قرار غزوة الأحزاب، الذي كان نتيجة مشورة الصحابة (طارق رمضان،
2013، ص. 78).
الخليفة
عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان مثالًا بارزًا للقائد العادل الذي وضع قوانين
صارمة لتحقيق العدالة بين الناس. على سبيل المثال، قام بتوزيع الثروات بشكل عادل
بين الأفراد، مما ساهم في تحقيق التكافل الاجتماعي (علي شريعتي، 2007، ص. 68).
دور
المؤسسات السياسية والإدارية:
يمكن
إنشاء أنظمة سياسية تعتمد على مبدأ الشورى لتحقيق المشاركة المجتمعية، مما يؤدي
إلى تعزيز الثقة بين الحاكم والمحكوم.
في بعض
الدول الإسلامية، مثل المغرب وتونس، تم إنشاء مجالس استشارية تمثل مختلف فئات
المجتمع، بحيث يتم اتخاذ القرارات بناءً على مشورة هؤلاء الأفراد (راشد الغنوشي،
2018، ص. 82).
يستنتج
الباحثان: أن تطبيق العدل والشورى هو الأساس الذي يضمن استقرار المجتمع وتحقيق
التنمية المستدامة. من خلال تعزيز العدل والشورى، يمكن تحقيق التوازن بين السلطة
والمسؤولية، مما يؤدي إلى بناء مجتمع مستقر ومزدهر.
-
تعزيز
دور المؤسسات المجتمعية في بناء المجتمع الراشد
المؤسسات
المجتمعية، مثل الجمعيات الخيرية، المساجد، والمدارس القرآنية، تلعب دورًا مهمًا
في تعزيز القيم الإسلامية وتحقيق التنمية المستدامة. هذه المؤسسات يمكن أن تكون
أدوات فعالة في تعزيز الروابط الاجتماعية، مكافحة الجرائم، وتوفير الاحتياجات
الأساسية للمحتاجين.
خلال
عهد الخليفة عمر بن الخطاب، تم إنشاء نظام "بيت المال" لتوزيع المساعدات
المالية على المحتاجين، مما ساهم في تحقيق التكافل الاجتماعي (عبد الكريم زيدان،
2015، ص. 92).
في
السودان، تم استخدام الزكاة لتمويل المشاريع الصغيرة التي توفر فرص عمل للشباب،
مما يساهم في تحقيق التنمية المستدامة (راشد الغنوشي، 2018، ص. 85).
في
مصر، تم تنظيم حملات توعية حول مخاطر الجرائم والمخدرات وتشجيع العمل التطوعي من
قبل الجمعيات الخيرية (عبد الكريم زيدان، 2015، ص. 95).
يجمل
الباحثان: أن تعزيز دور المؤسسات المجتمعية هو الأساس الذي يضمن بناء مجتمع مستقر
ومتماسك. من خلال تعزيز الروابط الاجتماعية ومكافحة الجرائم، يمكن تحقيق التوازن
بين الحقوق والواجبات، مما يؤدي إلى بناء مجتمع مزدهر.
استخدام
التكنولوجيا والإعلام لنشر القيم الإسلامية
في ظل
التطور التكنولوجي والانتشار الواسع لمواقع التواصل الاجتماعي، أصبح الإعلام
الجديد أداة فعالة في نشر القيم الإسلامية وتعزيز الهوية الإسلامية. ومع ذلك، فإن
هذا المجال يتطلب حذرًا كبيرًا؛ لأن الإعلام يمكن أن يكون أداة لاختراق الفكر
والثقافة إذا لم يتم استخدامه بحذر.
دور
المؤسسات الإعلامية:
المؤسسات
الإعلامية الإسلامية يمكن أن تنتج محتوى إسلاميًا يعزز القيم الدينية ويواجه
الحملات المعادية للإسلام.
مثال
معاصر: في بعض الدول الإسلامية، مثل الإمارات العربية المتحدة، تم تبني برامج تعزز
من الأخلاق الفاضلة في المؤسسات التعليمية والإعلامية (طارق رمضان، 2013، ص. 80).
دور
مواقع التواصل الاجتماعي:
يمكن
إنتاج مقاطع فيديو قصيرة أو رسائل مصورة تشرح القيم الإسلامية بطريقة مبسطة
وجذابة، مما يجعلها أكثر تأثيرًا على الشباب.
في
إندونيسيا، تم استخدام منصات التواصل الاجتماعي لنشر الرسائل الإسلامية بطريقة
مبتكرة وجذابة، مما ساهم في تعزيز الهوية الإسلامية (عبد الكريم زيدان، 2015، ص.
98).
يلخص
الباحثان: أن استخدام التكنولوجيا والإعلام هو أساس لنشر القيم الإسلامية وتعزيز
الهوية الإسلامية. من خلال إنتاج محتوى إسلامي جذاب، يمكن مواجهة الأفكار الدخيلة
وتعزيز القيم الدينية في المجتمع.
تحقيق
التنمية المستدامة كجزء من المجتمع الراشد
التنمية
المستدامة هي واحدة من أهم الاستراتيجيات التي يمكن من خلالها تحقيق المجتمع
الراشد. التنمية المستدامة تعني تحقيق التوازن بين احتياجات الحاضر واحتياجات
المستقبل، مما يؤدي إلى بناء مجتمع مستقر ومزدهر.
الأدلة
الشرعية:
قال
تعالى: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ"
(الذاريات: 56). العبادة في الإسلام ليست مجرد طقوس دينية، بل هي عملية شاملة تشمل
جميع جوانب الحياة، بما في ذلك التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
دور
الزكاة والصدقات:
الزكاة
يمكن أن تكون أداة فعالة في تحقيق العدالة الاقتصادية وتقليل الفقر، بينما يمكن
استخدام الصدقات لتمويل المشاريع الصغيرة التي توفر فرص عمل للشباب.
في
السودان، تم استخدام الزكاة لتمويل المشاريع الصغيرة التي توفر فرص عمل للشباب،
مما يساهم في تحقيق التنمية المستدامة (راشد الغنوشي، 2018، ص. 88).
يرى
الباحثان أن تحقيق التنمية المستدامة هو الأساس الذي يضمن بناء مجتمع مستقر
ومزدهر. من خلال تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية، يمكن تحقيق التوازن بين احتياجات
الحاضر واحتياجات المستقبل.
يخلص
الباحثان إلى أن تنفيذ هذه الاستراتيجيات يتطلب جهودًا متكاملة من الأفراد،
المؤسسات التعليمية، المجتمعية، والسياسية. من خلال تعزيز القيم الإسلامية، تطبيق
العدل والشورى، تعزيز دور المؤسسات المجتمعية، واستخدام التكنولوجيا والإعلام،
يمكن بناء مجتمع مستقر ومتكامل يحقق مقاصد الشريعة الإسلامية.
نتائج
الدراسة
من أهم
النتائج التي توصل إليها البحث أن المجتمع الراشد هو ذلك الكيان الاجتماعي الذي
يقوم على أسس إسلامية راسخة، يتمثل في تحقيق العدل، الشورى، التكافل الاجتماعي،
والأخلاق الفاضلة. هذه الأسس ليست مجرد مبادئ نظرية، بل هي أدوات عملية يمكن من
خلالها بناء مجتمع متكامل يحقق مقاصد الشريعة الإسلامية الكبرى، بما في ذلك حفظ
الدين، النفس، العقل، النسل، والمال.
أظهر
البحث أن التربية الإسلامية تُعتبر الأساس الذي يضمن بناء مجتمع مستقر ومتكامل.
التربية الإسلامية ليست مجرد عملية تعليمية تقليدية، بل هي استراتيجية شاملة تهدف
إلى تشكيل شخصية الفرد المسلم منذ الصغر، بحيث يصبح قادرًا على تحمل المسؤوليات
واتخاذ القرارات بناءً على القيم الأخلاقية والدينية.
أظهر
البحث أن التحديات الفكرية والثقافية هي من أخطر العوامل التي تعيق بناء مجتمع
إسلامي راشد. في ظل العولمة والتكنولوجيا الحديثة، أصبحت المجتمعات الإسلامية
معرضة لاختراق فكري وثقافي يهدد الهوية الإسلامية ويضعف القيم الدينية.
أظهر
البحث أن التكنولوجيا والإعلام يمكن أن يكونا أدوات فعالة لنشر القيم الإسلامية
وتعزيز الهوية الإسلامية. ومع ذلك، فإن هذا المجال يتطلب حذرًا كبيرًا؛ لأن
الإعلام يمكن أن يكون أداة لاختراق الفكر والثقافة إذا لم يتم استخدامه بحذر.
أظهر
البحث أن التنمية المستدامة هي واحدة من أهم الاستراتيجيات التي يمكن من خلالها
تحقيق المجتمع الراشد. التنمية المستدامة تعني تحقيق التوازن بين احتياجات الحاضر
واحتياجات المستقبل، مما يؤدي إلى بناء مجتمع مستقر ومزدهر.
توصيات
البحث
على
مستوى الأفراد:
تعزيز
التربية الإسلامية منذ الصغر حيث يجب على الأسرة والمدارس التركيز على غرس القيم
الإسلامية في نفوس الأفراد منذ الصغر. يمكن تحقيق ذلك من خلال المناهج التعليمية
التي تعزز الأخلاق الفاضلة والهوية الإسلامية.
تشجيع
المشاركة المجتمعية: ينبغي تشجيع الأفراد على المشاركة في الأنشطة
المجتمعية والعمل التطوعي، مما يعزز الشعور بالمسؤولية الاجتماعية ويقوي الروابط
بين أفراد المجتمع.
استخدام
التكنولوجيا بشكل إيجابي:
يجب توجيه الشباب
نحو استخدام التكنولوجيا والإعلام الجديد لنشر القيم الإسلامية ومكافحة الأفكار
الدخيلة. يمكن تحقيق ذلك من خلال إنتاج محتوى إسلامي جذاب وموجه.
على
مستوى الأسرة: دعم استقرار الأسرة:
يجب توفير برامج
توعية وتوجيه للأسر حول أهمية الاستقرار الأسري ودوره في بناء مجتمع قوي. كما يجب
تقديم دعم حكومي للأسر المحتاجة لتوفير البيئة المناسبة لتربية الأجيال.
تعزيز
دور الأمهات في التربية:
لعبت الأمهات دورًا
محوريًا في تربية الأجيال في التاريخ الإسلامي. لذلك، يجب تعزيز دورهن من خلال
برامج تدريبية وتعليمية تُركز على التربية الإسلامية.
على
مستوى المؤسسات التعليمية: تطوير المناهج التعليمية : يجب تطوير المناهج التعليمية بحيث تدمج القيم
الإسلامية بشكل يجعلها جزءًا لا يتجزأ من حياة الطلاب اليومية. يمكن إدراج مواد
تعليمية تركز على الأخلاق الإسلامية مثل الصدق، العدل، والإحسان.
تنظيم
أنشطة تعليمية واجتماعية:
يمكن للمدارس
الإسلامية تنظيم أنشطة تعليمية واجتماعية تعزز من الروابط الاجتماعية وتغرس القيم
الإسلامية في نفوس الطلاب.
على
مستوى المؤسسات المجتمعية:
تعزيز
دور المساجد: يجب أن تكون المساجد مركزًا لنشر الوعي الديني
وتعزيز الهوية الإسلامية. يمكن تنظيم دروس علمية ومحاضرات دينية في المساجد لرفع
مستوى الوعي الديني.
دعم
الجمعيات الخيرية: يجب دعم الجمعيات الخيرية لتلعب دورًا أكبر في
تعزيز الروابط الاجتماعية وتوفير الاحتياجات الأساسية للمحتاجين. يمكن استخدام
الزكاة والصدقات لتمويل المشاريع الصغيرة التي توفر فرص عمل للشباب.
على
مستوى الدولة والمؤسسات السياسية:
تطبيق
العدل والشورى: يجب على الحكومات الإسلامية تطبيق مبادئ العدل
والشورى في الحكم والإدارة. يمكن إنشاء مجالس استشارية تمثل مختلف فئات المجتمع،
بحيث يتم اتخاذ القرارات بناءً على مشورة هؤلاء الأفراد.
مكافحة
الفساد المالي والإداري:
يجب محاربة الفساد
المالي والإداري من خلال تعزيز الشفافية والمساءلة في المؤسسات الحكومية.
تحقيق
التنمية المستدامة: يجب وضع سياسات اقتصادية متوازنة تعتمد على
مبادئ الشريعة الإسلامية، مثل الزكاة والصدقات، لتحقيق العدالة الاقتصادية وتقليل
الفقر.
على مستوى الإعلام والتكنولوجيا:
إنتاج
محتوى إسلامي جذاب: يجب على المؤسسات الإعلامية الإسلامية إنتاج
محتوى جذاب يعكس القيم الإسلامية ويواجه الحملات المعادية للإسلام. يمكن استخدام
مقاطع الفيديو القصيرة والرسائل المصورة لتوضيح القيم الإسلامية بطريقة مبسطة.
مواجهة
الحملات المعادية للإسلام:
يجب العمل على
مواجهة الحملات المعادية للإسلام عبر الإنترنت من خلال تعزيز الوعي الثقافي
والديني لدى الشباب.
على
مستوى البحث العلمي:
إجراء
المزيد من الدراسات حول المجتمع الراشد:
هناك حاجة إلى
إجراء المزيد من الدراسات الأكاديمية حول كيفية تحقيق المجتمع الراشد في العصر
الحديث، مع التركيز على الحلول العملية.
توثيق
التجارب الناجحة: يجب توثيق التجارب الناجحة في بناء مجتمعات
إسلامية راشدة، سواء من التاريخ الإسلامي أو من الواقع المعاصر، واستخلاص الدروس
منها.
على
مستوى التعاون الدولي:
تعزيز التعاون بين الدول الإسلامية:يجب تعزيز التعاون بين الدول الإسلامية لتبادل
الخبرات والتجارب الناجحة في بناء مجتمعات مستقرة ومتكاملة.
مواجهة
التدخلات الخارجية: يجب مواجهة التدخلات الأجنبية في شؤون الدول
الإسلامية من خلال تعزيز السيادة الوطنية والمشاركة المجتمعية.
المصادر والمراجع
المصادر
القرآن الكريم.
أولاً:
المراجع العربية:
·
القرضاوي، يوسف. (2005).الشريعة الإسلامية وأهدافها
الكبرى. القاهرة: دار الشروق.
·
الغزالي، محمد. (1998).الإسلام والتنمية المستدامة.
القاهرة: دار السلام.
·
الشعراوي، محمد متولي. (1990). تفسير القرآن الكريم.
القاهرة: مكتبة الندوة.
·
الصابوني، محمد علي. (1980).صفات المجتمع المسلم في
الإسلام. دمشق: دار القلم.
·
بن باز، عبد العزيز. (1995). فتاوى ابن باز. الرياض: دار
العاصمة.
·
النجار، عبد المجيد. (2017).قضايا الفكر الإسلامي
المعاصر. القاهرة: دار الفكر العربي.
·
رمضان، طارق. (2013).الإسلام والحداثة: رؤية متجددة.
بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية.
·
شحرور، محمد. (2010).الإسلام والإنسان: قراءة جديدة في
الإسلام. دمشق: دار الحوار.
·
عثمان، فتحي. (2019).تحديات المجتمع الإسلامي في العصر
الحديث. القاهرة: دار المعارف.
·
عمارة، محمد. (2012).الهوية الثقافية للمجتمع الإسلامي.
القاهرة: دار الشروق.
·
زیدان، عبد الكريم. (2015). نحو مجتمع إسلامي راشد.
عمان: دار الفرقان.
·
الغنوشي، راشد. (2018). الديمقراطية والشورى في الإسلام.
بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية.
·
شريعتي، علي. (2007). الإسلام والمجتمع الراشد. طهران:
دار الكتاب الحديث.
·
الطبري، محمد بن جرير. (1984). تفسير الطبري: جامع
البيان عن تأويل آي القرآن. بيروت: دار إحياء التراث العربي.
·
الفيروزآبادي، مجد الدين. (1984). القاموس المحيط.
بيروت: دار الكتب العلمية.
·
الزمخشري، جار الله. (1987). أساس البلاغة. القاهرة: دار
الفكر.
ثانياً :
المراجع العربية الإنجليزية
Al-Qaradawi,
Y. (2005). Islamic Sharia
and its major objectives (In Arabic) . Cairo: Dar Al-Shorouk.
Al-Ghazali, M. (1998). Islam and sustainable development (In
Arabic) . Cairo: Dar Al-Salam.
Al-Sha'rawi, M. M. (1990). Interpretation of the Holy Quran (In
Arabic) . Cairo: Al-Nadwa Library.
Al-Sabouni, M. A. (1980). Characteristics of the Muslim society
in Islam (In Arabic) . Damascus: Dar Al-Qalam.
Bin Baz, A. A. (1995). Fatwas of Ibn Baz (In Arabic) .
Riyadh: Dar Al-Asima.
Al-Najjar, A. M. (2017). Issues of contemporary Islamic thought
(In Arabic) . Cairo: Dar Al-Fikr Al-Arabi.
Ramadan, T. (2013). Islam and modernity: A renewed vision (In Arabic) .
Beirut: Center for Arab Unity Studies.
Shahrour, M. (2010). Islam and humanity: A new reading of Islam (In Arabic) .
Damascus: Dar Al-Hiwar.
Othman, F. (2019). Challenges of the Islamic society in the modern era (In
Arabic) . Cairo: Dar Al-Maaref.
Amara, M. (2012). The cultural identity of the Islamic society (In Arabic) .
Cairo: Dar Al-Shorouk.
Zidan, A. K. (2015). Towards an ideal Islamic society (In Arabic) .
Amman: Dar Al-Furqan.
Ghannouchi, R. (2018). Democracy and consultation (Shura) in
Islam (In Arabic) . Beirut: Center for Arab Unity Studies.
Shariati, A. (2007). Islam and the ideal society (In Arabic) .
Tehran: Modern Book House.
Al-Tabari, M. B. J. (1984). Tafsir Al-Tabari: The comprehensive
explanation of the meanings of the Quran (In Arabic) . Beirut: Dar
Ihya Al-Turath Al-Arabi.
Al-Fayrouzabadi, M. J. D. (1984). Al-Qamus Al-Muhit (In Arabic) .
Beirut: Dar Al-Kutub Al-Ilmiyyah.
Al-Zamakhshari, J. A. (1987). Asas Al-Balagha (In Arabic) .
Cairo: Dar Al-Fikr.
The Holy Quran.