تاريخ الإرسال (02-02-2022)،
تاريخ قبول النشر (26-02-2022)
مقدمة
الحمد لله ناصر المستضعفين، والصلاة
والسلام على من بعثه الله رحمة للعالمين، خير الأنبياء والمرسلين، محمد بن عبد
الله صلى الله عليه وسلم، فاقتلع بغرس الإيمان جذور الشر والفساد إلى يوم الدين.
"للتربية في الإسلام مكانة
عظيمة ودرجة رفيعة ، فهي مهمة الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين
لذلك يجب أن ينظر إلى هذه المهنة بإكبار واحترام على مر العصور ، ولا توجد حضارة
بشرية على مر العصور تخلو من التعليم، وخاصة أنها المهنة التي تتعامل مع عقل
الإنسان الذي هو أشرف ما فيه، وتنمي فيه خاصية العلم وهي أعظم خاصية ميزه الله
بها". (العطار، 2004، 425)
وقد كان رسولنا الكريم صلى الله
عليه وسلم "القدوة والمثل الأعلى في تربيته الربانية، ونقل هذه التربية إلى
صحابته الكرام فخَرج جيلا متميزا حمل راية الإسلام، بفضل التربية الصحيحة القائمة
على الأخلاق، من هنا كان لا بد من التربية الإسلامية التي تعد وسيلة فاعلة لبناء
الإنسان المسلم، القادر على عمارة الأرض بكفاءة والقيام بواجباته، وهي التي تشكل
العامل الأقوى في إحداث التغيرات الجذرية المنشودة في واقع الأمة المسلمة على جميع
المستويات فهي تعنى بإعداد الجيل المسلم إعدادا في ضوء مبادئ وقيم وطرق التربية
الإسلامية". (أبو دف، 2004، 3)
ويجمع الباحثون والمختصون على أن
"المفهوم الحديث للتربية يقوم على أن “المتعلم” هو مركز عملية التربية، وذلك
من خلال مكوناته العقلية، والجسمية، والوجدانية إذ هي ثلاثة أبعاد متوازية. كما أن
هذه التربية تضع اهتمامات الفرد وحاجاته ومشكلاته موضع الاهتمام عند بناء المنهج
التربوي أو تنفيذه وكذلك الأمر بالنسبة لخبراته السابقة". (قنديل، منهج
التربية عند النورسي، 2001)
وحتى تشير البوصلة التعليمية إلى
الاتجاه الصحيح “المتعلم” لا بد لها من ركائز مهمة في عملية البناء والتوجيه
والتصحيح، دور رائد يتطلب كفاءة، وهمة عالية، وإعداد سليم، ألا وهو "دور
المعلم في العملية التربوية فهو يعتبر حجر الزاوية لبيئة هذه العملية وأي عيب أو
خلل في هذا الركن يعرض العملية التربوية إلى الانهيار فهو عصب العملية التربوية
والعامل الرئيسي الذي يتوقف عليه نجاح التربية في بلوغ غاياتها وتحقيق دورها في
تطوير الحياة في عالمنا الجديد". (جميل، 2001، 24)
وليحقق المعلم النجاح في الدور
المناط به، ونظراً لما يحيط بمهنته من تطورات علمية وتكنولوجية متسارعة، كان لا بد للمعلم أن يعمل على "المزج بين الصفات الشخصية،
والجسمانية، والتطور العلمي والمهني، بالإضافة إلى القدرة على ابتكار واستخدام
أساليب وطرائق تدريس حديثة ومبدعة للتواصل مع الطلبة، ويعد ذلك من المقومات
الكفيلة للرقي بالمعلم إلى أفق النجاح والتميز". (عودة، 2015، 2)
وتشير الدراسات التربوية إلى وجود علاقة
إيجابية بين امتلاك المعلم لعدد من الصفات الشخصية والوظيفية ومدى فاعليته
التعليمية. ويمكن تصنيف هذه الخصائص إلى فئتين رئيستين.
خصائص شخصية عامة ، وقدرات تنفيذية على هيئة واجبات وظيفية. ومن
الأهمية التأكد على أنة كلما استطاع المعلم تحصيل هذه
الصفات ودمجها في شخصيته، كلما تمكن من امتلاك أساليب تعليمية مؤثرة وممارسة قدرة
توجيهية في العملية التعليمية داخل الفصل وخارجة، ومن ثم إحداث أثر بالغ في شخصيات
الطلبة. (الناقة وأبو ورد، 2009، 6)
وعلى الرغم من أن لكل مجتمع فكره التربوي الخاص به وأن ما يصلح لمجتمع لا
يصلح لآخر، إلا أن المتفحص لمناهجنا في العالم العربي يجدها متأثرة بالغرب. وقد
نتج عن ذلك معاناة الواقع التربوي الإسلامي، من الازدواجية الخطيرة، الناتجة عن
التبعية وفقدان الأصالة والذاتية، التي ولّدتها العلمانية في جميع مظاهر الحياة
واتخذت لها أبعاداً خطيرة ، أدت إلى الثنائية والانشطار في الكيان الاجتماعي
والفكري. (أبو دف، 2003، 2)
وهذا ما دفع الباحث إلى تناول سيرة
علم من أعلام الإسلام والمسلمين، قال في حقه الإمام الذهبي رحمه الله: "هو
الإمام، المحدث، القدوة، شيخ الحرم الشريف، أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد الله
البغدادي الآجُرِّي، صاحب التواليف
منها «الشريعة» في السنة كبير، وكتاب «الرؤية»، وكتاب «الغرباء»، وكتاب
«الأربعين»، وكتاب «الثمانين»، وكتاب «آداب العلماء» وكتاب «التهجد» وغير
ذلك". (الذهبي. 2006، 211)
ويسعى الباحث من خلال هذه الصفحات
إلى التعرف على مكانة المعلم في ضوء الفكر التربوي عند الإمام الآجُرِّي، في
محاولة إلى الوصول إلى كفايات المعلم المعاصر في ضوء الفكر التربوي عند الإمام
الآجُرِّي لنقل العلم والمعرفة إلى الطلبة، إيماناً من الباحث بالأهمية الملقاة
على عاتق المعلم في بناء جيل النصر والتمكين الذي وعد الله به المسلمين، للنصر على
أعداء الأمة الإسلامية.
أهمية البحث:
ترجع أهمية البحث إلى:
1. التعرف
على مكانة المعلم في ضوء الفكر التربوي عند الإمام الآجُرِّي .
2. توضيح
كفايات المعلم في ضوء الفكر التربوي عند الإمام الآجُرِّي .
3. فتح
آفاق جديدة للقائمين على التعليم العالي في التعرف على أهم الطرائق التدريسية
الناجحة في العملية التعليمية.
4. إثراء
المكتبة العربية بما هو مفيد في مجال المبادئ التربوية والطرائق التدريسية من وجهة
نظر إسلامية.
أهداف البحث:
يهدف البحث إلى الإجابة عن الأسئلة
التالية:
1. ما
مكانة المعلم ومسؤولياته في ضوء الفكر التربوي عند الإمام الآجُرِّي ؟
2. ما
هي كفايات المعلم في ضوء الفكر التربوي عند الإمام الآجُرِّي ؟
منهج البحث:
من أجل تحقيق أهداف البحث قام
الباحث باستخدام المنهج الاستقرائي التحليلي المقارن ، وذلك بجمع كل ما يتعلق
بمنهج الإمام الآجُرِّي من كتبه الموجودة
وما نقله أهل العلم عنه، وهو أحد أشكال التفسير العلمي المنظم عن طريق جمع بيانات
ومعلومات مقننة عن الظاهرة أو المشكلة وتصنيفها وتحليلها وإخضاعها للدراسات
الدقيقة.
مصطلحات البحث:
الكفايات: تعبر عن "قدرات
ومهارات مكتسبة تتكون من معارف وسلوكيات واتجاهات تقود إلى تنفيذ الأعمال بطريقة
محددة، ويمكن لمكتسبها العمل على تطويرها، ونقلها للآخرين، وتوظيفها في المواقف
التعليمية التي يقدمها".
الفصل الأول: الإمام الآجُرِّي
سيرته ووفاته
أسمه وكنيته ونسبه:
اسمه: محمد بن الحسين بن عبد الله
الآجُرِّي، (البغدادي، 2004، 239)
كنيته: أبو بكر، ولم يجد الباحث في
جميع المصادر التي رجع اليها من خالف هذه الكنية.
نسبه: الآجُرِّي "بضم الجيم وتشديد الراء نسبة الى درب
الآجر، قال ياقوت: "محلة كانت ببغداد من محال نهر طابق، بالجانب الغربي،
سكنها غير واحد من اهل العلم وهي الآن خراب، ينسب اليها ابو بكر محمد بن الحسين
الآجُرِّي". (الآجُرِّي، 1997، 78)
وقال ابن خلكان: "هي نسبة الى
الآجر، ولا اعلم لها معنى نسب اليه، ورأيت حاشية على كتاب الصلة صورتها: الامام
ابو بكر الآجُرِّي نسبة الى قرية من قرى بغداد يقال لها آجر". (ابن خلكان،
1998، 114)
نشأته وموطنه:
لم تشر المصادر التي تحدثت عن
الإمام الآجُرِّي الى السنة التي ولد فيها، واستدل المؤرخون على تاريخ ولادته من
الاجماع على تاريخ وفاته (360هـ) الذي ذكر في العديد من المصادر، ويرى الدميجي "ان هذا
امر طبيعي، لان العالم يولد مغمورا ويموت مشهورا، وعلى هذا يكون مولده عام
(280هـ)". (الآجُرِّي،1997، 83)
نشأ الآجُرِّي في بغداد، يقول
الخطيب البغدادي: "حدث ببغداد قبل سنة ستين وثلاثمائة، ثم انتقل الى مكة
وسكنها حتى توفي بها" (البغدادي، 2004، 239)، ويقول ابن خلكان: "اخبرني
بعض العلماء انه لما دخل مكة حرسها الله تعالى أعجبته، فقال: اللهم ارزقني الاقامة
بها سنة، فسمع هاتفا يقول له: بل ثلاثين سنة، فعاش بعد ذلك ثلاثين سنة". (ابن
خلكان، 1998، 114)
شيوخه وأساتذته:
جمع الذهبي في كتابه "سير
أعلام النبلاء" (الذهبي، 2006، 211) أن الآجُرِّي سمع "أبا مسلم الكجي
وهو أكبر شيخ عنده، ومحمد بن يحيى المروزي، وأبا شعيب الحراني، وأحمد بن يحيى
الحلواني، والحسن بن علي بن علوية القطان، وجعفر بن محمد الفريابي،
وموسى بن هارون، وخلف بن عمرو العكبري ، وعبد الله بن ناجية، ومحمد بن صالح
العكبري، وجعفر بن أحمد بن عاصم الدمشقي، وعبد الله بن العباس الطيالسي، وحامد بن
شعيب البلخي، وأحمد بن سهل الأشناني المقرئ، وأحمد بن
موسى بن زنجويه القطان، وعيسى بن سليمان وراق داود بن
رشيد، وأبا علي الحسن بن الحباب المقرئ، وأبا القاسم البغوي، وابن أبي داود.
وكذلك الإمام الحافظ أبي بكر بن
أحمد بن علي في "تاريخ بغداد" (البغدادي، 2004، 239) أن الآجُرِّي "سمع أبا مسلم الكجي،
وأبا شعيب الحراني، وأحمد بن يحيى الحلواني، وجعفر بن محمد الفريابي،
والمفضل بن محمد الجندي، وأحمد بن عمر بن زنجويه
القطان، وقاسم بن زكريا المطرز، وأحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي، وهارون بن
يوسف بن زياد، وخلقا من أقرانهم"
مذهبه:
اختلف المؤرخون والمترجمون في مذهب
الإمام الآجُرِّي، لذلك نجد أن المتتبع لسيرته يجد تنوعا في الآراء حول المذهب
الذي كان يتبعه الآجُرِّي في حياته، وكانت أراء العلماء حول مذهب الإمام
الآجُرِّي تتمحور حول ثلاثة محاور رئيسة:
1.
منهم من سكت عن ذكر مذهبه، ولم يتعرض له بشيء كالخطيب
البغدادي، والذهبي، وابن كثير، قال الدكتور القارئ "وهذا من عادة المحدثين في
كتبهم فإنهم لا يعنون بذكر ذلك". (الآجُرِّي، 1997، 159)
2.
ومن العلماء من قال انه شافعي المذهب ومن أوائل من جزم بذلك المؤرخ ابن النديم
القائل: "الآجُرِّي، كان على مذهب الشافعي" (بن الفجاءة، 1985، 452).
وكذلك ياقوت الحموي حيث اشار في كتاباته"... الفقيه الشافعي"
(البغدادي، 1979. 218) وكذلك قال ابن خلكان "الفقيه الشافعي المحدث"
(ابن خلكان، 1998، 113)
3.
إلا أن الحافظ تقي الدين الفاسي المكي عارض ذلك فقال: "وفيما ذكره ابن خلكان:
من أن الآجُرِّي كان شافعيًا نظر؛ لأنه
حنبلي" (تقي الدين، 1986، 4)، وقال ابن العماد " كان حنبليا". (الآجُرِّي،1997، 160)
ونظرا لتعدد أراء العلماء حول مذهب
الآجُرِّي "لا يمكن القطع بتعيين
مذهب الآجُرِّي حيث أنه لم يلتزم مذهبًا
معينا، وكان يختار من المذاهب وأقوال العلماء ما ترجَّح عنده دليله كعادة السلف
رحمهم الله تعالى ولم يلتزم مذهبًا، مع أن القرائن المتقدمة قد يفهم منها ميله الى
المذهب الحنبلي والله أعلم". ((الآجُرِّي،1997، 163))
مؤلفاته العلمية:
لقد أهدى الإمام الآجُرِّي للمكتبة الإسلامية العديد من الدرر قدم فيها
خلاصة أفكاره ومبادئه، ومن أشهر هذه المصادر: "كتاب "الشريعة في
السنة"، وكتاب "الرؤية"، وكتاب "الغرباء"، كتاب
"الأربعين"، وكتاب "الثمانين"، وكتاب "آداب
العلماء"، و كتاب "مسألة الطائفين"، وكتاب "التهجد"، وغير
ذلك". (الذهبي، 2006، 211)
وفاته:
اتفق المؤرخون على وفاة الآجُرِّي
"بمكة في المحرم سنة (360) وكان من أبناء الثمانين" (الذهبي، 2006، 212). ونقل التقي الفاسي من "العقد
الثمين" عن العلامة ابن رشيد أنه قال في رحلته "قرأت بخط شيخنا الخطيب
الصالح أبي عبد الله بن صالح ما نصه وجد بخط أبي جعفر
أحمد بن محمد بن ميمون الطليطلي ما نصه: سألنا أبا
الفضل محمد بن أحمد الزاز متى توفي الآجُرِّي؟
قال: "توفي رحمه الله يوم الجمعة أول يوم محرم سنة (360) بمكة المكرمة ودفن
فيها وكان قد بلغ من العمر (96) سنة أو نحوها .قال: وكان
يدعو كثيراً ألا تبلغه سنة ستين, فما مضى من أول يوم من السنة إلا ساعة حتى توفي
رحمه الله تعالى".
آراء العلماء حوله:
اجمع العلماء الذين ذكروا الامام
الآجُرِّي على الثناء عليه ومدحه، ووصفوه بأوصاف مختلفة، كلها تدل على المكانة
العالية التي حظي بها عند العلماء، وهذا ما يدل على المكانة والمنزلة عند الله
تعالى، لان من علامات محبة الله للعبد ان يوضع له القبول في الارض"
(الآجُرِّي، 1997، 149)، وكان من أبرز ما قيل في حقه:
Ø قال
الخطيب في «تاريخ بغداد»: "كان ثقة، صدوقًا،
ديِّنًا". (ابن علي، 2004، 239)
Ø وقال
الذهبي في «سير أعلام النبلاء»: "كان صدوقا، خيراً، عابداً، صاحب سنة
واتباع". (الذهبي، 2006، 211)
Ø وذكره
ابن النديم في «الفهرست» فقال: "الفقيه، أحد
الصالحين العباد". (النديم، 1985، 452)
Ø وقال
الذهبي في «وفيات الاعيان وانباء ابناء الزمان»: "الفقيه الشافعي المحدث، كان
صالحا عابدا". (ابن خلكان، 1998، 113)
الفصل الثاني: مكانة المعلم في ضوء الفكر التربوي عند الإمام الآجُرِّي
"لعل أكبر خطأ يمكن أن يقع فيه
الدارس لنظام التعليم الإسلامي أن يفـصل دراسته عن الروح الإسلامية العامة التي
حكمت المجتمع الإسلامي عبر مراحل تاريخه الطويل، وما طرأ على تلك الروح الإسلامية
من نمو وقوة، فقد كان الإسلام نقطة تحول جذري في حياة العرب: سياسيا، واقتصاديا،
واجتماعيا، وثقافيا، وتربويا. ولن نستطيع أن نفهم ذلك
الإقبال الشديد للعرب على العلم بعد الإسلام إلا إذا درسنا المبادئ الإسلامية التي
جاء بها القرآن، وأكدها الرسول صلى الله عليه وسلم، وطبقهـا الخلفاء الراشدون
والسلف الصالح من بعده؛ لنشر العلم والتعلـيم فـي المجتمـع الإسلامي".
(النقيب، 2008، 2)
نظراً للمكانة العلمية للإمام
الآجُرِّي عند أهل السنة والجماعة واعتماد
كثير من أهل العلم المحققين على أقواله ومروياته ومصنفاته، كما أن أقواله ومروياته
تعتبر موسوعة في العقيدة والفكر التربوي الاسلامي، وتعد مؤلفاته مصدراً لأهل السنة والجماعة، كما أن
دراسة سير السلف الصالح ومنهجهم فيه من البيان لما كان عليه سلف الأمة من المنهج
الصحيح الذي نحن بحاجة ماسة إليه لنعود إلى أمجادنا الإسلامية وحضارتنا. لذا اعتمد
الباحث من خلال هذه الدراسة أن يبحث في تاريخ الإمام الآجُرِّي لاستنباط مكانة المعلم في ضوء الفكر التربوي
عند الإمام الآجُرِّي، لمحاولة الوصول إلى تحديد كفايات المعلم المعاصر في ضوء
الفكر التربوي عند أئمة المسلمين ومفكريهم.
مكانة المعلم في ضوء الفكر التربوي
عند الإمام الآجُرِّي :
لم يكن النجاح الذي حققه الإمام
الآجُرِّي ليأتي من فراغ، فهو عالم جليل
وضع أساساً علمية لحياته العلمية، منطلقا من فهمه العميق لكتاب الله جل حلاله،
وسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، ورسالة الإسلام العظيم في بناء الأجيال،
وتحقيقا للدور المطلوب من الإنسان في أعمار الأرض لقوله تعالى: ﴿هُوَ
أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱسۡتَعۡمَرَكُمۡ
فِيهَا﴾ (سورة هود: الآية 61)، حيث تعكس خلافة الإنسان في الأرض أسمى مراتب
التكريم الإِلهي كما جاء في قوله تعالى ﴿وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ
خَلِيفَةٗۖ قَالُوٓاْ أَتَجۡعَلُ فِيهَا مَن يُفۡسِدُ
فِيهَا وَيَسۡفِكُ ٱلدِّمَآءَ
وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ
وَنُقَدِّسُ لَكَۖ قَالَ إِنِّيٓ
أَعۡلَمُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ﴾
(سورة البقرة: الآية 30).
مكانة العلماء:
تنطلق أهمية العلماء كأحد لبنات
المجتمع الإسلامي من بيان الله تعالى لمكانتهم ودورهم المتميز في الأمة
الإسلاميّة، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ
وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ (سورة النساء: الآية
59). ويقول تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا
الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ (سورة المجادلة: الآية 11). فإذا
ما أرادت الشعوب النهوض بحضارتها، وبناء مستقبل زاهر كان لزاما عليها تقدير
علمائها، وجعلهم في مقدمة الصفوف دائما.
ويتضح جليا من خلال صفحات كتب
(أخلاق العلماء) و (أخلاق أهل القرآن) و (الشريعة) مكانة المعلم في ضوء الفكر
التربوي عند الإمام الآجُرِّي، وفضل العلماء.
فيقول الآجُرِّي عن المكانة التي خص الله بها
العلماء: "فان الله عز وجل وتقدست أسماؤه اختص من خلقه من أحب فهداهم
للإيمان، ثم اختص من سائر المؤمنين من أحب فتفضل عليهم فعلمهم الكتاب والحكمة
وفقههم في الدين، وعلمهم التأويل، وفضلهم على سائر المؤمنين". (الآجُرِّي،
1987، 15) وفي هذا دلالة على أن العلماء هم صفوة المجتمعات، قد اختارهم الله تبارك
وتعالى من خيرة المؤمنين الموحدين.
ثم أكمل إمام الآجُرِّي "وذك
في كل زمان وأوان" (الآجُرِّي، 1987، 15) أي أن المكانة التي كرم الله بها
العلماء لا ترتبط بزمان أو مكان محدد فقط، لكن الآجُرِّي حدد أن هذه المكانة لها
من الأسباب ما يحقق وقوعها فقال :"رفعهم بالعلم، وزينهم بالحلم"
(الآجُرِّي، 1987، 15) فحدد العلم والمعرفة وكذلك الحلم وحسن الخلق كمعززات لمكانة
العلماء بين الناس.
ويستطرد الغمام الآجُرِّي في وصف
مكانة العلماء فيقول: "هم افضل من العباد، واعلى درجة من الزهاد، حياتهم
غنيمة، وموتهم مصيبة" (الآجُرِّي، 1987، 15)، فقد قدم الآجُرِّي العلماء
العاملين على العباد، لانهم بعملهم يمثلون تطبيقا للعلم والمعرفة التي يمتلكونها،
فيشكلون أنموذج صالحا للمجتمعات للاقتداء بهم، لذلك فقد تفوقوا في مكانتهم على
الزهاد، بل أن الآجُرِّي ولعظم مكانة العلماء لديه شبه موتهم بالمصيبة التي تحل
على المجتمع.
وإذا كان أهل العلم بهذه المنزلة
الرفيعة والدرجة العالية التي خص الله تعالى بها العلماء لترفع قدرهم بين الناس
فإن الواجب على المجتمعات العمل على
حفظ قدرهم ومكانتهم، وإنزالهم
منازلهم كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لَيْسَ مِنْ
أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ
لِعَالِمِنَا حَقَّهُ). (رواه أحمد عن عبادة بن الصامت (22164)، وقال
الهيثمي في مجمع الزوائد (8/14))
فضل العلماء:
ثبت عن النبي الكريم صلى الله عليه
وسلم كما عند أبي داود وابن ماجه والترمذي بسند صحيح أنه قال: (مَنْ سَلَكَ
طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ
الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ،
وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ، وَمَنْ فِي
الْأَرْضِ، وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى
الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ،
وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ). (أخرجه أحمد (5/196، رقم
21763)، وأبو داود (3/317، رقم 3641)، والترمذي (5/48، رقم 2682))
وعن فضل العلماء على الناس ما قال
فيه الآجُرِّي رحمه الله: "بهم يعرف الحلال من الحرام، والحق من الباطل،
والضار من النافع، والحسن من القبيح" (الآجُرِّي، 1987، 15)، فالعلماء هم
الأقدر على فهم الدين وتحديد الحلال مما حرم الله من أمور قد تخفى أو تختلط على
عامة الناس، فكان قدر العلماء مهما في توضيح ذلك للجميع، وكلما ازداد العالم علما
ازداد خشوعا وتقربا إلى الله لما خرف من الحق، يقول تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَٰٓؤُاْۗ
إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾. (سورة فاطر: الآية 28)
كما أن الآجُرِّي لم يخفي أن
للعلماء خطر جم فقال: "فضلهم عظيم وخطرهم جزيل" إذا ما حادوا عن طريق
الصواب وأفتوا للناس بغير علم، أو أن يتملقوا للسلاطين والحكام، بل إن الأشد من
ذلك إن استخدم علمه ليمنع الحقوق عن إصحابها فيكون بذلك معول هدم للمجتمعات، ومصدرا
للظلم والفساد.
ويكمل الآجُرِّي في فضل العلماء بقوله:
"الحيتان في البحار لهم تستغفر، والملائكة بأجنحتها لهم تخضع، والعلماء في
القيامة بعد الأنبياء تشفع" (الآجُرِّي، 1987، 16)، وفي ذلك ترغيب للعلماء
وتصبير لهم على ما يمكن أن يتعرضوا له من أذى في سبيل الدعوة إلى الله تعالى،
فجزاء ذلك عظيم بأن تستغفر لك الملائمة في السماء، وتخضع لهم لمكانتهم وقدرهم
الرفيع، بل وأكثر من ذلك أن تشفع يوم القيامة بعد الأنبياء عليهم السلام، فما
أجلها من مكانة أعدت للعلماء.
ويرى الإمام الآجُرِّي مثل العلماء
في الارض بقوله: "مثلهم في الارض كمثل النجوم في السماء يهتدى بها في ظلمات
البر والبحر، اذا انطمست النجوم تحيروا، واذا اسفر عنها الظلام أبصروا"
(الآجُرِّي، 1987، 16)، فالعلماء نبراس الحق يسترشد به الآخرين دروب الحق
والفضيلة.
أخلاق العلماء:
العلماء هم قادة الأمة، وورثة
الأنبياء، أخذوا على عاتقهم رفع مكانة الأمة من حضيض والرذائل والجهل والتخلف إلى
نور الالتزام بشرع الله، وحتى يقدم العلماء هذا الدور الرائد المناط بهم كان
لزاماً التحلي بالأخلاق الحميدة حتى يكونوا قدوة للأمة، التزاما بقول رسولنا الكريم،
فعن محمد بن عمرو حدثنا أبو سلمة عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَكْمَلُ
الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ
لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا). (أخرجه الترمذي ( 1 / 217 - 218 )) (أحمد بن حنبل
( 2 / 250 ، 472))
وعن أخلاق العلماء يقول الآجُرِّي:
"لا يتوقع لهم بائقة، ولا يخاف منهم غائلة" (الآجُرِّي، 1987، 16)،
فالغدر خلق ذميم من أخلاق المنافقين، وسمة من سمات الجاهلين، ليس من أخلاق المجاهدين في سبيل الله، ولا من
صفات عباد الرحمن، لذلك مان لزاما على العلماء أن يتجنبوا هذا الخلق الذميم حتى
يتقبلهم الناس ويرغبون في التقرب منهم لأخذ العلوم والمعارف من خلالهم دون خوف أو
تردد.
وأما عن خلق العلماء في التواصل مع
الآخرين فيقول الإمام الآجُرِّي "وبجميل موعظتهم يرجع المقصرون"
(الآجُرِّي، 1987، 16)، إن أعظم ما يوصَى به الداعي إلى الله أن يتبع الحكمة
والموعظة الحسنة، فيتلمسَ الكلماتِ المرققة للقلوب، فيقبل على الطاعة إذا ما لان
قلبه لما سمع من الحق، وفي ذلك تطبيقا لوصية الله تعالى بنبيه الكريم صلى الله
عليه وسلم في دعوته بقوله تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾. (سورة
النحل: الآية 125)
فإذا تفاوت الإيمان بين المسلمين
فإنما يتفاوت بحسن الخلق، فقد روى سعيد الجريري عن أبي نضرة حدثني
من سمع خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسط أيام التشريق
فقال: (يَا
أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلَا
لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ
وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا
بِالتَّقْوَى ..). (رواه الإمام أحمد بن حنبل، باقي مسند الأنصار (22391))
فقد جعل الاسلام الأخلاق مقياساً في
التفاوت بين المؤمنين، فالجميع يؤدي ما كتب عليه من فرائض، لاكن يبقى التفاوت فيما
بينهم بحسن خلقهم، لذلك كان لزاما على العلماء أن يتحلوا بالأخلاق الحميدة
ليستحقوا المكانة العظيمة التي خصهم بها الاسلام على اعتبار مكانتهم العلمية
والشرعية التي كفلها لهم الاسلام بما يحملون في صدورهم من أمانة العلم والمعرفة.
حقوق العلماء:
منزلة العلماء العالية في الإسلام
من الأمور المحكمة المتفق عليها التي لا يعرف فيها مخالف لأهمية وقيمة ما يحملون
وهو العلم والمعرفة، وما بدأت مكانة الأمة تهبط الا عندما ضعف احترام العلماء،
وضاعت هيبتهم، وتجرأ عليهم السفهاء.
وقد أدرك ذلك الإمام الآجُرِّي رحمه
الله فأكد أن للعلماء حقوقا على الناس، حددها من خلال قوله: "الطاعة لهم من
جميع الخلق واجبة، المعصية لهم محرمة، من أطاعهم رشد، ومن عصاهم عند، ما ورد على
اما المسلمين من امر اشتبه عليه حتى وقف فيه فيقول العلماء يعمل، وعن رأيهم
يصدر" (الآجُرِّي، 1987، 16) فكان لزاما على عامة الناس الالتزام بما صدر عن
العلماء وتطبيقه دون تغيير أو تشكيك.
وقد تعدى فكر الآجُرِّي التزام
العامة بقول العلماء فوصل ذلك إلى أمراء المسلمين، بل وحتى القضاء، اذا ما واجهتم
مسألة لم يعرفوا لها إجابة رجعوا إلى رأس علمائهم، يقول الإمام الآجُرِّي:
"وما ورد على امراء المسلمين من حكم لا علم لهم به فبقولهم يعملون، وعن رايهم
يصدرون، ما اشكل على قضاة المسلمين من حكم فبقول العلماء يحكمون، وعليه
يعولون". (الآجُرِّي، 1987، 16)
وليؤكد الامام الآجُرِّي على أصالة
ما قدمه حول مكانة العلماء، وليقطع الشك في سلامة رأيه، قال عن الدليل الذي استند
إليه فيما سبق من وصف لمكانة العلماء: "فان قال قائل ما دل على ما قلت، قيل
له الكتاب ثم السنة، فان قال فاذكر منه ما اذا سمعه المؤمن سارع في طلب العلم ورغب
فيما رغبه الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم". (الآجُرِّي، 1987، 16)
وفي سياق الاستدلال من كتاب الله
تعالى أورد الإمام الآجُرِّي (الآجُرِّي، 1987، 17-18) الأدلة التالية يذكر الباحث
الآيات التالية :
1. ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا قِيلَ
لَكُمۡ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلۡمَجَٰلِسِ
فَٱفۡسَحُواْ يَفۡسَحِ ٱللَّهُ لَكُمۡۖ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَٱنشُزُواْ يَرۡفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ دَرَجَٰتٖۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ﴾. (سورة
المجادلة: الآية 14)
2. ﴿إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَٰٓؤُاْۗ إِنَّ ٱللَّهَ
عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾. (سورة فاطر: الآية 28)
3. ﴿يُؤۡتِي ٱلۡحِكۡمَةَ مَن يَشَآءُۚ وَمَن يُؤۡتَ ٱلۡحِكۡمَةَ فَقَدۡ أُوتِيَ خَيۡرٗا كَثِيرٗاۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ
أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ﴾. (سورة
البقرة: الآية 269)
4. ﴿وَجَعَلۡنَا مِنۡهُمۡ أَئِمَّةٗ يَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا لَمَّا صَبَرُواْۖ
وَكَانُواْ بَِٔايَٰتِنَا يُوقِنُونَ﴾. (سورة
السجدة: الآية 24)
وفي هذا السياق يقول "محمد بن
الحسين: وهذا النعت ونحوه في القرآن يدل على فضل العلماء وأن الله عز وجل جعلهم
أئمة للخلق يقتدون بهم". (الآجُرِّي، 1987، 19)
وفي ذكر ما جاءت به الأحاديث
النبوية من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم حول فضل العلماء في الدنيا والآخرة
أورد الإمام الآجُرِّي ما يقرب من ثلاثين
حديثا تناولت في طياتها الأثر البالغ لمكانة العلماء ودورهم في بناء المجتمعات،
يذكر منها الباحث على سبيل الذكر لا الحصر:
1. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَخْبَرَنَا أَبُو
بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ , أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ
بْنُ عَمْرٍو الْمِصْرِيُّ , أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ , عَنِ
الْأَوْزَاعِيِّ , عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ سُلَيْمَانَ , عَنْ يَزِيدَ بْنِ
سَمُرَةَ , عَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ , عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (وَلَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى
الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ ,
إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ , إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ
يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا , إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ , فَمَنْ
أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ). (الآجُرِّي، 1987، 22)
2. خْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَخْبَرَنَا أَبُو
جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ بُدَيْنَا الدَّقَّاقُ , أَخْبَرَنَا
هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَزَّارُ, أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ,
أَنْبَأَنَا يَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ , عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ , عَنْ
سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , عَنِ
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَا عُبِدَ اللَّهُ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنْ فِقْهٍ
فِي دِينٍ , وَلَفَقِيهٌ وَاحِدٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ
, وَلِكُلِّ شَيْءٍ عِمَادٌ , وَعِمَادُ الدِّينِ الْفِقْهُ). (الآجُرِّي،
1987، 23)
3. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَخْبَرَنَا أَبُو
مُسْلِمٍ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْكَشِّيُّ
, أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الشَّاذَكُونِيُّ
, أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ , أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ , عَنِ
الزُّهْرِيِّ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ يُرِدِ
اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ). (الآجُرِّي، 1987، 26)
4. خْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَخْبَرَنَا أَبُو
جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْحُلْوَانِيُّ , أَخْبَرَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ
خَارِجَةَ , أَخْبَرَنَا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الْوَلِيدِ التُّجِيبِيِّ , عَنْ أَبِي حَفْصٍ
حَدَّثَهُ أَنَّهُ , سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ:
قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ مَثَلَ الْعُلَمَاءِ فِي الْأَرْضِ كَمَثَلِ
نُجُومِ السَّمَاءِ , يُهْتَدَى بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ,
فَإِذَا انْطَمَسَتِ النُّجُومُ يُوشِكُ أَنْ تَضِلَّ الْهُدَاةُ).
(الآجُرِّي، 1987، 26)
الفصل الثالث: كفايات المعلم في ضوء الفكر التربوي عند الإمام
الآجُرِّي
"يمثِل الفكر التربوي الإطار
النظري لما يحتاجه المجتمع في بناءِ نظامِه وبرامجِه التربويةِ، ووضع أسسِها
وقواعدِها، بل أكثر من هذا إلى أن النمو الحضاري والنمو الفكري يسيران جنبا إلى
جنب، وما الفكر التربوي إلا نتاج حضارة عريضة، امتدت على مدار أربعة عشرَ قرنًا من
الزمان، وقد استمد قوَته وحيويتَه من الدين، واستطاع الفكر التربوي الإسلامي أن
ينتج الإنسان الصالِح القادر على التكيف مع واقعه". (الكيلاني، 1985،
265-268)
كثيرًا ما يتمُّ الحديث وفقَ
المقارباتِ "البيداغوجية" عمَّا يسمَّى بالمثلَّث الديداكتيكي:
المدرِّس، والمتعلِّم، والكتابِ المدرسيِّ، كمنظومةٍ متكاملةٍ لإنجاحِ التعليم،
فالتلميذُ يعدُّ قطبَ العمليةِ التربويةِ ومحورَها والتعليمية خاصَّة، فهو الذي
يتلقَّى المعلوماتِ والمعارفَ ويتعلَّمها، أما المدرِّس - الذي حَرَصت أطرافٌ
متعدِّدة حاليًّا على تشويهِ سمعتِه؛ تنكيثًا
وإعلاميًّا - بطبعِه قيادةٌ فكريةٌ، فهو بحكمِ عملِه، ومهنتِه، وتخصصِه،
واتصالاتِه، وعلاقاتِه - قائدٌ بالطبيعة أو مستعدٌّ للقيادةِ بالطبيعةِ، لأن
رسالتَه لا تَقِف عند حدِّ العلم وتعليمِه، وإنما هي تتعدَّاهما إلى غيرِهما،
كالقيادةِ". (عبود، 1992، 189)
إن المتتبع للفكر التربوي للإمام
الآجُرِّي يجد أنه عالج هذا الموضوع بشيء
من التفصيل لذلك سيوضح الباحث من خلال الأدب التربوي الذي قدمه الآجُرِّي
الكفاياتُ اللازمةُ لغرسِ جذور التربية الصحيحة المرتكزة على أسس إسلامية راسخة،
وقد قسِم الباحث كفاياتُ المعلم إلى عدة مجالات، يوضح من خلالها الفكر التربوي
للإمام الآجُرِّي من نظرة إسلامية لعالم جليل وهي: الكفايات شخصية، والكفايات
الأخلاقيةِ، والكفايات العلميةِ، والكفايات المِهنِية.
كفايات المعلم في ضوء الفكر التربوي
عند الإمام الآجُرِّي:
إن المتتبع لمفهوم الكفاية في ميدان
أعداد المعلم يرى أن "جذورها العلمية ترجع لمصطلح الكفايات واستخدامها في
التربية بصفة عامة الى علم النفس السلوكي الذي نشأ بدوره وتطور خلال النصف الاول
من القرن الماضي". (الربيعي، 2013، 1)
ويرى الباحث أن الكفايات تعبر عن
"قدرات ومهارات مكتسبة تتكون من معارف وسلوكيات واتجاهات تقود إلى تنفيذ
الأعمال بطريقة محددة، ويمكن لمكتسبها العمل على تطويرها، ونقلها للآخرين،
وتوظيفها في المواقف التعليمية التي يقدمها".
ومن هنا نجد أن الآجُرِّي رحمه الله
تعالى لم يغفل في خضم التراث الأدبي الذي قدمه أن يعرج على الكفايات الخاصة
بالمعلم ليكون مؤهلا لحمل لواء العلم والمعرفة في بناء المجتمع وتطور الحضارة،
لذلك تحدث الآجُرِّي عن "كفايات العلماء والمتعلمين العاملين في كثير من المواضع
وشمل حديثه زوايا متعددة من شخصيتهم وفصل امورا تتعلق بأخلاقهم". (عبد
الرحمن، 1991، 91)
وكان من أهم الكفايات التي تحدث
عنها الإمام الآجُرِّي في كتاباته:
الكفايات الأخلاقية:
يرى منصور العتيبي بأن الكفايات
الأخلاقية تعني "مجموعة المبادئ والقيم والممارسات الخلقية التي ينبغي أن
تتوافر في المعلم" (العتيبي، 2011، 6)، ومن الضرورة بمكان على المعلم أن
يتميز بالأخلاق الحميدة انطلاقا من الإيمان بأهمية وظيفته ودوره في تحقيق التنمية
التربوية، واكتساب الاتجاهات الإيجابية نحو مهنته، ومن هذا المنطلق فقد ورد عن
الإمام الآجُرِّي عدد من الكفايات الأخلاقية للمعلم يمكن توضيحها فيما يلي:
1. شكر الله على نعمه: يرى الإمام الآجُرِّي رحمه
الله ان أهم صفات العالم “أن يكون لله شاكرا، وله ذاكرا" (الآجُرِّي، 1987،
90)، فشكر الله على نعمة العلم لها أثر كبير على نفس العالم، فقد ورد عن الرسول
الكريم صلى الله عليه وسلم: (ما أنعم الله على عبد نعمة فحمد الله عليها، إلا كان ذلك
الحمد أفضل من تلك النعمة) (رواه ابن السني عن أنس وحسنه الألباني في صحيح
الجامع (5562))، فالشكر إقرار من العلماء بفضل الله وكرمه عليهم بما آتاهم من
العمل، وهو مفتاح للاستزادة من الخير باستمرار.
2. التواضع: وفي هذا السياق بقول الآجُرِّي رحمه
الله تعالى عن سمة التواضع: "لا يمدح نفسه بما فيه، فكيف بما ليس فيه"
(الآجُرِّي، 2003، 78)، وقد قال في وصف تواضع العلماء: "متواضع في نفسه اذا
قيل له الحق قبله ولو من صغير أو كبير" (الآجُرِّي، 2003، 78)، ومن باب
الترغيب في صفة التواضع وحث العلماء على ان يتمسكوا بهذه الصفة يقول الإمام
الآجُرِّي: "متواضعا في نفسه ليكون رفيقا عند الله" (الآجُرِّي، 2003،
78)، وكأنما ربط الآجُرِّي بين التواضع
وجزاء الجنة للمتواضعين من العلماء.
3. العفو: من الأخلاق الجميلة، والصفات الحميدة
التي أمر الله بها نبيه وعباده المؤمنين، قَالَ تَعَالَى: ﴿خُذِ ٱلۡعَفۡوَ
وَأۡمُرۡ بِٱلۡعُرۡفِ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡجَٰهِلِينَ﴾ (سورة
الأعراف: الاية 199)، ويربط الآجُرِّي رحمه الله تعالى
بين العلماء وصفة العفو ارتباطا وثيقا، فقد وصف الآجُرِّي العالم بأنه "كاظم للغيظ عمن آذاه".
(الآجُرِّي، 1987، 82) وعن مجالات العفو لدى العلماء يقول الآجُرِّي: "لا
يظلم وإن ظُلم عفى" (الآجُرِّي، 1987، 82)، وأما عن الهدف من صفة العفو لدى
العلماء فيقول الآجُرِّي: "يكظم غيظه ليرضى به ربه ويغيظ عدوه" (الآجُرِّي، 1987، 87)، وعن فضل العفو روى مسلم
في صحيحه مِن حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ رضي اللهُ عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله
عليه وسلم قَالَ: (مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ
إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ).
(صحيح مسلم، (2588))
4. العزة: وقد أستند الآجُرِّي على أهمية هذه الصفة
للعلماء انطلاقا من قول الله تبارك وتعالى: ﴿فَسَوۡفَ يَأۡتِي ٱللَّهُ بِقَوۡمٖ يُحِبُّهُمۡ وَيُحِبُّونَهُۥٓ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ
أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ﴾ (سورة المائدة:
الآية 54)، فقد وصف الآجُرِّي العلماء
بقوله "ذليل للحق عزيز على الباطل". (الآجُرِّي، 1987، 83)، "والحديث
عن صفة العزة عند الآجُرِّي هو رد فعل للواقع الاجتماعي والثقافي السائد في ومنه،
فكان كثير من العلماء يتذللون للأغنياء وللأمراء ويسعون لتعليم أبنائهم، وكثير
منهم كانوا أعزة عن ذلك" (عبد الرحمن، 1987، 101)، فأثرت نلك الوقائع على
شخصية الإمام الآجُرِّي الذي كان يرفض مثل تلك التصرفات من العلماء ويرى أنها تحط
من مكانتهم بين الناس.
5. التقوى: اعتبر الآجُرِّي التقوى من أهم شروط
العلماء، فقال: "وأولى ما ينبغي له أن يستعمل تقوى الله في مطعمه، ومشربه،
وملبسه، ومسكنه" (الآجُرِّي، 1987، 77)، ومن ثمرات التقوى أنها تبعث في القلب
النور وتقوي بصيرته فيميز بين ما ينفعه وما يضره مصداقا لقول الله تبارك وتعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ
ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِۦ يُؤۡتِكُمۡ كِفۡلَيۡنِ مِن رَّحۡمَتِهِۦ وَيَجۡعَل لَّكُمۡ نُورٗا تَمۡشُونَ بِهِۦ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ﴾. (سورة الحديد: الآية 28)،
لذلك كانت التقوى صفة لأولياء الله وطريق لولاية الله، بشر الله أصحابها بحسن
الجزاء في الدنيا والآخرة، يقول الحق تبارك وتعالى: ﴿أَلَآ
إِنَّ أَوۡلِيَآءَ ٱللَّهِ
لَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا
هُمۡ يَحۡزَنُونَ (62) ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ ٱلۡبُشۡرَىٰ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ لَا
تَبۡدِيلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ (64)﴾
(سورة يونس: الآيات 62-64)، ولشدة الحاجة إلى التقوى ولعظم شأنها، ولكون كل واحد
منا في أشد الحاجة إلى التقوى والاستقامة عليها – ولا سيما العلماء- ركز الإمام
الآجُرِّي على أهمة التقوى كصفة من صفات أهل العلم.
6. الصبر: من أبرز الأخلاق الوارد ذكرها في القرآن،
وما ذلك إلا لانطلاق كل الأخلاق وصدورها منه، فالصبر ركيزة الأخلاق الحميدة جميعا،
وقد جاء في كتاب الله تبارك وتعالى أن جزاء الصابرين الجنة ونعيمها الدائم، يقول
تعالى: ﴿وَجَزَىٰهُم بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةٗ وَحَرِيرٗا﴾.
(سورة الإنسان: الآية 12)
وقد رأى الآجُرِّي أن من صفات
المعلم الصبر وكظم الغيظ عمن آذاه وعدم الظلم، وقد أكد على صفة الصبر فقال:
"أن يكون صبوراً على جفاء من جهل علمه حتى يزيده حلماً" (الآجُرِّي،
1987، 53)، إن في الصبر ضبط لنفس العلماء عن الشهوات، ولهذا نجد أن الأنبياء والرسل
والعقلاء و الحكماء كانوا يتحلون بخلق
الصبر على ما يواجهوا من أزمات سبيل رسالاتهم ونشر النور بين الناس.
الكفايات الشخصية:
"لقد أثبت البحوث التربوية أن
التدريس الفعال يعتمد بالدرجة الأولى على شخصية المعلم وذكائه ومهاراته التدريسية
التي يتمتع بها، لأن المعلم الناجح لا يتوقف دوره عند حدود التعليم فقط وإنما
يتخطاها إلى مجالات التربية" (أبو الختوح، 1971، 17).
لذلك فقد حدد الإمام الآجُرِّي من خلال كتاباته
عدداً من الكفايات الشخصية التي ينبغي على المعلم الالتزام بها ليكون قدوة
لتلاميذه ونبراساً لهم، ومن أهم تلك الكفايات:
1. حسن الظن: يدعو الإسلام إلى حسن الظن بالناس
والابتعاد عن سوء الظن بهم، لأن سرائر الناس لا يعلمها إلا الله تعالى وحده، لذلك
فإن من صفات العلماء سلامة القلب من الغل والحقد والحسد لما لهذه الصفات من آثار
سلبية على نفس المتعلم، ويجب أن يبدلها بصفة حسن الظن بالآخرين، لذلك قال
الآجُرِّي في وصف العلماء بقوله: "سليم القلب من الغل والحسد ويغلب على قلبه حسن
الظن بالمؤمنين في كل ما أمكن فيه العذر، ولا يجب زوال النعمة عن أحد من
العباد". (الآجُرِّي، 1987، 83) وليس أدل على ذلك من قول الله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ
ٱجۡتَنِبُواْ كَثِيرٗا مِّنَ
ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعۡضَ ٱلظَّنِّ إِثۡمٞۖ﴾ (سورة الحجرات:
الآية 12)، فسوء الظن معول هدم للمجتمع يكسب العداوة والبغضاء وعلى العلماء الترفع
عن مثل تلك الآفات ومحاربتها.
2. التبسم وقلة الضحك: الضحك ليس أمراً محرماً،
فالضحك أمر وارد في كتاب الله تبارك وتعالى بقوله: ﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى﴾
(سورة النجم: الآية 43)، لذلك حرص الآجُرِّي على التأكيد على العلماء بأهمية
البشاشة مع الآخرين وعدم العبوس في وجههم لان ذلك سيؤثر على تلقيهم للعلم
وقابليتهم للتعلم، فيقول الآجُرِّي: "ان مر بشيء مما يوافق الحق تبسم"
(الآجُرِّي، 2003، 78)، كما نهى الآجُرِّي
العلماء عن كثرة الضحك لأنه مذموم ويميت القلب فطالب العلماء بقلة الضحك
وذلك بقوله: "قليل الضحك". (الآجُرِّي، 2003، 78) وعلى النقيض فان من
صفات العلماء غير العاملين كما قال الآجُرِّي : "كثير الضحك"
(الآجُرِّي، 2003، 78)، مما يقلل الهيبة للعالم ويطفى عليه بعض صفات السفهاء. فقد
صحّ عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أنه أوصى بعض أصحابه، فقال: (لا تكثروا
الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب) (سنن ابن ماجه رقم (4193)، للألباني،
ج2، (506))، كما أن الإكثار من الضحك مذهب للهيبة ومخالف للمروءة.
3. الترفع عن المطامع الدنيوية: العلماء في رأي
الآجُرِّي: "هم الذين يقنعون من الدنيا بالقليل من الحلال، ويلبسون الثياب
الخشنة من الحلال، ولا يلبسون اللين الفاخر من الحرام، ويقنعون بالقليل من الدنيا،
ولو بسط الله عليهم الرزق". (الآجُرِّي، 1987، 85) فيجب على العالم أن يخلص
النية لله تعالى في جميع أعماله، لا سيما تقديمه للعلم والمعرفة التي فضله الله
بها عن الآخرين، وأن يبتغي بذلك قبل كل شيء وجه الله تبارك وتعالى، يرى الآجُرِّي
أن المعلم المسلم يجب أن تكون نيته في تعليمه لطلابه لله وحده، بحيث لا تكون نيته
من أجل متاع دنيوي زائل.
4. الصلاة على وقتها: وقد وصف الآجُرِّي العلماء
بقوله: "مع شعورهم بحلاوة حب المذكور مع لذة مناجاته" (الآجُرِّي، 1987،
90)، وقد اهتم الآجُرِّي بهذه الصفة عند المعلم لما لها من آثار تربوية على نفس
المعلم، يورثها بدوره الى تلاميذه من خلال تقليدهم لسلوكياته الايجابية، فإقامة
الصلاة في وقتها صفة من صفات والإيمان، والصلاة في وقتها تربية للمسلم وتهذيب
لأخلاقه. ولا ينبغي للعالم أن يؤخر الصلاة عن وقتها لأي سبب كان فعن عبدالله بن
مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله؟
قال: (الصلاة
على وقتها، قال: ثم أيّ؟ قال:
ثم بِرُّ الوالِدَين، قال: ثم أيّ؟ قال: الجهادُ في سَبِيلِ الله، قال: حدثني بهن
ولو استزدتُه لزادَنِي). (أخرجه البخاري، باب: فضل الصلاة لوقتها، (2630، 5625))
الكفايات المهنية:
إن المقصود بالكفايات المهنية
"قدرة المعلم على القيام بعمله كمعلـم بمهـارة وسـرعة وإتقان، والكفاية
المهنية عبارة عن مجموعة من المهارات المتداخلة معاً بحيث تشكل القـدرة على القيام
بجانب مهني محدد، لأنه من الضروري تكامل الكفايات المهنية لدى المعلمين"
(العدواني، د.ت، 1)، لذلك نرى أن الإمام الآجُرِّي لم يهمل هذا الجانب في كتاباته
ويمكن استنباط تلك الكفايات وتوضيحها من خلال:
1. تجنب التعنيف للتلاميذ: وقد بين الآجُرِّي أن
على المعلم أن يرفق بالمتعلم وأن يحترمه ويعامله معاملة حسنة قائمة على الأخلاق
الإسلامية، وحذر من التعنيف الذي يعبر من أساليب العقوبة التي يستخدمها المعلم،
وبين الآجُرِّي أن للتعنيف أضرار تلحق بالمتعلم من جانبين:
الجانب الأول هو الجانب الاجتماعي: حيث قال
الآجُرِّي: "أن القرآن نهى عن تعنيف التلاميذ الفقراء وتقدير الأغنياء، لأن
ذلك مخالف لمبدأ المساواة". (الآجُرِّي، 2003، 87)
أما الجانب الثاني فهو المجال التعليمي فيرى
الآجُرِّي أن التعنيف يؤدي الى احباط المتعلم ويترك أثرا سلبيا في نفسه وتشعره
بالمهانة، فوصف الآجُرِّي الآثار السلبية
للتعنيف على المتعلم بقوله: "كما يؤدي إلى يكوين العقد النفسية التي يصعب
حلها، بالإضافة الى نفور التلاميذ من التعليم، ومن الممكن أن يورثهم الخجل الذي
يمنعهم من السؤال". (الآجُرِّي، 2003، 72)
2. مراعاة الفروق الفردية: وقد اهتم الآجُرِّي بذلك
انطلاقا من جانبين الأول اجتماعي فلا يفرق بين تلاميذه تحت تأثير المستوى
الاجتماعي للطلبة فيما بينهم، يقول
الآجُرِّي "ينبغي للعالم أن يوفي كل ذي حق حقه ان كان يريد بتلقينه القرآن –
وجه الله تعالى- ولا ينبغي له أن يضرب الغني ويبعد الفقير، فان فعل ذلك فقد جار
فعله، وينبغي له تلقين الصغير والكبير والحدث الغني والفقير مع التواضع للفقير
وتقريبه من مجلسه متعطفا عليه الى الله بذلك" (الآجُرِّي، 2003، 111)، فمن
خلال النص السابق نرى أن الآجُرِّي قد ساوى بين جميع الطبقات الاجتماعية في
المعاملة من قبل المعلم.
أما
الجانب الثاني فقد تحدث فيه الامام الآجُرِّي عن القدرات الفكرية المتباينة بين
الطلبة في مستويات الذكاء، والقدرات والمواهب والاستعدادات العقلية، فقد أمر
الأمام الآجُرِّي بهذا الخصوص "بالصر على أصحاب العقول بطيئة الفهم، مع الرفق
بهم حتى يستطيعوا أن يفهموا ما يصعب عليهم باستخدام أسلوب الحكمة والموعظة
الحسنة" (الآجُرِّي، 2003، 71)،
وكأنما راعي الآجُرِّي في ذلك قول الله تعالى: ﴿ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ
وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ
وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ
أَحۡسَنُۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ
بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ وَهُوَ أَعۡلَمُ
بِٱلۡمُهۡتَدِينَ﴾. (سورة
النحل: الآية 125)
3.
القدرة على إدارة الصف: إن مفهوم إدارة الصف يعبر عن
مجموعة من العمليات التي تتناول التخطيط و التنظيم و القيادة والضبط والتوجيه
لمقدرات العاملين في الميدان التربوي، مع ضرورة الحرص على الاستفادة من جميع
الموارد المتاحة وإمكانيات لتحقيق أهداف المنشودة.
لذا
نجد أن الآجُرِّي أكد على أهمية دور المعلم في إدارة الصف بأن: "يؤدب جلساءه
ويأمرهم بالإنصات إلى ما ينطق به، فإن تخطى أحدهم إلى خلق لا يحسن بأهل العلم يقول
لا يحسن بأهل العلم والأدب كذا وكذا". (الآجُرِّي، 1987، 54)
لذلك
ساوى الآجُرِّي بين تعليم العلوم النافعة وتعليم حسن الخلق، بما يضمن للمعلم أن
يكون قائدا لطلبته ليرسوا بهم على شواطئ العلم والمعرفة دون معيقات قد يكون لها
أثر في تشتيت جهود المعلم المنصبة على الارتقاء بطلبته.
الكفايات العلمية:
مما لا يدع مجالا للشك أن مهنة
التعليم بحاجة إلى أن يتمتع المعلم بعدد من الكفايات العلمية التي تمثل التاج الذي
يزين مجموعة الكفايات التي لابد للمعلم أن يتمتع بها لتهذيب روحه، وتقويم سلوكه،
وتنمية عقله وقدراته، وصقل مهاراته. وفي هذا السياق كان من أبرز ما قدمه الإمام
الآجُرِّي في مجال الكفايات العلمية للعلماء ما يلي:
1. الاطلاع والإلمام بالثقافة العامة: وقد اشترط
الآجُرِّي في العلماء المعلمين معرفة
أحوال زمانهم الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية والحاجات الضرورية
لأبناء بيئتهم وقد عبر عن ذلك بوصفه للمعلم "بصيرا بزمانه وفساد أهله".
(الآجُرِّي، 2003، 77)، ويأتي ذلك لإدراك الآجُرِّي أن نجاح المعلم يحتاج إلى
الإلمام بالثقافة السائدة في محيطه، ليكون عارفا بما هو حسن منها فيعمل على تقويته
ونشره، وكذلك يكون عارفا بالخاطئ منها فيعمل على تصحيحه وعلاجه بين الناس.
2. إفتاء المتعلم في حدود علمه: برى الإمام
الآجُرِّي أن من واجب العلماء إذا سـأله سـائل عـن مسألة فإن كان عنده علم أجاب،
وجعل أصله أن الجواب مـن الكتـاب والسـنة أو الإجماع، وقد وجه الآجُرِّي المعلم
إلى تعليم المتعلم الأخلاق الحميدة في السؤال إذ عين عليه فقال رحمه الله:
"إذا سأل عما لا يعنيه من الأمور رده عنه، وأمره أن يسأل عما يعنيه فإذا علم
أنهم فقراء إلى علم قد أغفلوه عنه أبداه إليهم". (الآجُرِّي، 1991، 53-54)
3.
التقويم: أكد الآجُرِّي على أهمية التقويم للتأكد من تمكن الطالب مع العلوم
والمعارف التي تلقاها بشكل جيد، وبهذا يحرص المعلم على أن لا يضيع الجهد الذي
يبذله دون تحقيق الأهداف التربوية للدرس. من هنا نجد أن الآجُرِّي يقول عن أسلوب
التقويم: "يقرأ المعلم آية من القرآن أو جزءاً منه ثم يقرأ الطلاب من بعده
ويرشدهم إلى الصواب إذا أخطئوا، من ثم ينتقل المعلم إلى القراءة الفردية فيطلب من
أحد التلاميذ أن يقـرأ عليه الدرس ثم يقرأ الآخر وهكذا حتى يتمكن التلاميذ مـن
الحفـظ غيبـا" (عبد الرحمن، 1991، 141)
4.
استخدام أساليب مختلفة في التعليم: إن مصادر المعرفة
والعلم "المتوفرة للطلاب في هذه الأيام، متنوعة ووفيرة، ويمكن الوصول إليها
بطرق سهلة وجذابة، دون الاعتماد على المعلم للحصول عليها. لذا
لم يعد دور المعلم الهام، مقتصراً على توصيل المعلومات فقط؛ بل يتعدى ذلك بكثير. إذ أنه صار مسئولاً عن بناء شخصية الطالب الباحث والمفكر
والناقد والمستقل؛ الذي يستطيع الوصول إلى المعلومات وتوسيع آفاقه ذاتياً".
(ويكيبيديا، 2016)
وقد أكد الآجُرِّي على أهمية اختيار
المعلم للأساليب التدريسية المناسبة لما يترتب عليها من غرس للمعلومات الجديدة في
أذهان التلاميذ، ومن الأساليب الناجحـة والمهمة التي لا غنى عنها في العملية
التعليمية عند الآجُرِّي ما يلي:
أولا: المناظرةِ: ويقصد بالمناظرة
"المحاورة بين فريقين حول موضوع لكل منهما وجهة نظر فيه تخالف وجهة نظر
الفريق الآخر، وكلاهما يحاول إثبات وجهة نظره وإبطال وجهة نظر خصمه، رغبة في ظهور
الحق" (الميداني، 1975، 373)، وقال الإمام الآجُرِّي رأيه حول المناظرة
" فإن كان رجل قد علمه الله عز وجل علماً، فجاءه رجل يسأله عن مسألة في
الدين، ينازعه فيها ويخاصمه، ترى له أن يناظره حتى تثبت عليه الحجة، ويرد عليه
قوله؟" (الآجُرِّي، 1997، 451)
ومن المؤكد أن الآجُرِّي لم يغفل
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المراء والجدل المذموم حيث قال: (أنا زعيم ببيت
في ربض الجنة لمن ترك ألمراء وإن كان محقا). (سنن أبي داود 4/253 ، باب في
حسن الخلق، (4800))
ويرى الآجُرِّي أن من صفة العالم
العاقل إذا عارضه في مجلس العلم والمناظرة بعض من يعلم أنه يريد مناظرته للجدل
والمراء والمغالبة لم يسعه مناظرته، لأنه قد علم أنه إنما يريد أن يدفع قوله وينصر
مذهبه، ولو آتاه بكل حجة مثلها يجب أن يقبلها لم يقبل ذلك ونصر قوله، ومن كان هذا
مراده لم تؤمن فتنته ولم تحمد عواقبه. (الآجُرِّي، 1991 ، 54)
ويرى الباحث بأن الآجُرِّي عمل على
تحديد أسلوب المناظرة بعدد من القواعد الأساسية ولم يترك الأمور دون تقييد، فوضع
بمجموعة من القواعد التي تتفق وروح السنة النبوية وأخلاقها، وهذه الأخلاق كما
أوردها الكيلاني "فلا يناظر العالم أو المتعلم كل أحد، إنما ينظر في حال
المناظر، فان كان قصده الجدال توقف، وان كان قصده الحق ذاكره بأدب واحترام، لا بد
أن يحذر المناظر من ضرب الأحاديث وأقوال الصحابة بعضها ببعض". (الكيلاني،
1978، 112)
ثانيا: الفتيا: "نشأت الفتوى
منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقد أفتى نبينا الكريم في الكثير من القضايا
لتعليم المسلمين أمور دينهم، لذلك يعد النبي صلى الله عليه وسلم إمام
المفتين" (عبد الرحمن، 1987، 167)، ورائد قافلتهم ودستور أحكامهم اختاره الله
عز وجل لهذا المنصب الرفيع وألقى الروعة في الإجابة على تساؤلات المسلمين فقال له
الحق تبارك وتعالى ﴿يَسۡتَفۡتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ
يُفۡتِيكُمۡ﴾ (سورة النساء: الآية 176)
(القاسمي، 1986، 4)، ثم انتقلت الفتوى إلى الصحابة رضي الله عنهم وتداولها علماء
المسلمين عبر السنين، لذلك يمكن اعتبار الفتوى أحد أساليب التعليم الأصيلة في
التاريخ التربوي الإسلامي.
وقد ألم الآجُرِّي بالأهمية القصوى
لأسلوب الفتيا كأسلوب من أساليب وطرائق التعليم على مر التاريخ الإسلامي، واقتداء
بالرسول الكريم فأستخدم هذا الأسلوب في حياته العملية.
والفتيا أسلوب متبع بين التلاميذ ومعلميهم
فالطالب إذا ما جال في فكره سؤال فإنه سرعان ما سيتوجه بالسؤال إلى معلمه للحصول
على الإجابة، وهو شيء متكرر في الحلقة أو الصف التعليمي، ويبدأ الطالب في اكتساب
مهارات جديدة أو تعديل خاطئة كان يمتلكها مسبقا بناء على الإجابة التي سيحصل عليها
من قدوته ومصدر المعرفة لديه إلا وهو المعلم، كما أن
لهذا الأسلوب فائدة أخلاقية تتمثل في حسن طرح السؤال على الآخرين، ثم الأدب في
تلقي الإجابة منهم، وتختتم بفائدة سلوكية إذا نجح المعلم في أداء دوره بأن تنعكس
هذه الإجابة على سلوك الطالب إذا ما عمل بمحتواها.
ثالثا: السؤال: تعد طريقة إلقاء
الأسئلة على الطلبة طريقة قديمة قدم التربية ذاتها، على أنها لا تزال منتشرة بين
المعلمين حتى وقتنا الحاضر، على الرغم من التغيرات الكثيرة التي وجدت طريقها إلى
ميدان التربية ونظرياتها، وربما كان ذلك لان هذه الطريقة تعتبر أداة إنعاش لذاكرة
المتعلم وجعله أكثر فهما، ولرفعه إلى مستوى عال من التعليم. (سعد الدين، 2008،
174)
من هنا نرى الآجُرِّي اهتم ببعض
الأمور الخلقية المتعلقة بأدب السؤال، ومنها "توجيه السائل إلى الأخلاق
الحميدة، كعدم السؤال عما لا يعنيه واستدل برأي على ابن أبي طالب حيث كان إذا سأله
إنسان عما لا يعنيه عنفه ورده إلى ما هو أولى به، حدد نوعية السؤال الملقى بأن لا
يكون في ما هب من الأمور ونهى عن السؤال عن (غلط المسائل) خاصة المؤدية للخصومة
وتجرح مشاعر الآخرين، وقدم لذلك مثلا لسؤال لا ينبغي للسائل أم يسأله فقال:
"إذا قال لك رجل: أنت مؤمن؟ فقل: آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم
الآخر والموت والبعث من بعد الموت والجنة والنار، وإذا أحببت أن لا تجيبه فقل:
سؤالك إياي بدعة فلا أجيبك"، أوجب على المتعلم حين سؤاله لمعلمه أن يكون
رفيقا، خاصة إذا طلب منه تحديد مدة الدرس أو وقته، لان هذا الأسلوب ينجم عنه أخلاق
حميدة كالصبر والتحمل وحسن الكلام". (عبد الرحمن، 1987، 181)
ومما لا شك فيه أن إثارة الأسئلة
وطرحها سواء كانت من المعلم او من المتعلم فإنها تعطي الدرس حيوية ونشاط وفاعلية،
وخاصة إذا صيغت بشكل تربوي وضمن أهداف واضحة (سعد الدين، 2008، 176)، ناهيك عما
إذا تكللها حسن الخلق في طرح السؤال والإنصات للإجابة من المتعلم، فذلك كفيل
بإيصال المعرفة المرجوة من المعلم إلى التلاميذ وبذلك تتحقق الأهداف التربوية
للحلقة العلمية أو الصف الدراسي.
التوصيات
من خلال الدراسة السابقة يقدم الباحث عددا
من التوصيات في مجال مكانة وكفاياته المعلم في ضوء الفكر التربوي عند علماء
المسلمين وعلى وجه الخصوص الإمام الآجُرِّي:
1. يمكن للمؤسسات التربوية
والتعليمية الكفايات التدريسية للمعلمين التي أقرها الآجُرِّي للوصول إلى تصور إسلامي حول أخلاق العالم
والمتعلم ومن ثم تطبيقها وتعميمها على سائر الهيئات التعليمية من أجل تحسين
القواعد الأخلاقية لمهنة التعليم في الوطن الإسلامي الكبير.
2. أهمية تطويرِ المعلم لذاتِه،
وتحسينِ الطرائقِ التي يتبعُها في التعليمِ وفي تحفيزِ المتعلِّمين على المبادرةِ
والمشاركة في اتخاذ القرار.
3. ضرورة العمل على تبسيطِ المعلم
للمعارفِ واستخدام التقنيات الحديثة في البحثِ والتدريسِ.
4. أهمية أن يتخلق المعلم بخلق
القرآن الكريم والاقتداء بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم في سيرته كمعلم للبشرية
جمعاء.
5. التفاعلُ مع المتعلِّمين، وإتاحةُ الفرصةِ للمناقشة والحوار، وإقامةُ عَلاقاتٍ عادلة
معهم، والتحرُّر من الصور التقليديةِ للمعلِّم.
6. تركيز الجامعات العربية
والإسلامية على التخطيط الجيد لإعداد المعلم المعاصر على أسس علمية سليمة في
النواحي العلمية والثقافية.
7. تطوير البحث العلمي في مجال
إعداد وتدريب المعلم وتشجيعه وزيادة التمويل المخصص
لذلك.
8. ضرورة
العمل الجاد على الاستفادة من ثورة تكنولوجيا التعليم التي يمكن من خلالها استحداث
طرق تعليمية حديثة تناسب واقع العصر الحالي مع اعتمادها على مبادئ التاريخ
الإسلامي المشرق.
9. القدرةُ على استخدامِ التعلُّم
الفعَّال، والطرائقِ والأساليبِ المناسبةِ؛ لتحويلِ المحتوى الذي يُراد تدريسُه، إلى صيغٍ وأشكالٍ قابلةٍ للتعلم.
10. عقد
دورات تدريبيه للمعلمين حول بعض الاتجاهات الحديثة في إعداد المعلمين لتوضيح
المفاهيم الخاصة بالعملية التعليمة وطريقة تطبيقها في الميدان التربوي.
11. فهمُ
أساليبِ وطرائقِ التقويمِ الملائمةِ لتشخيصِ قدراتِ المتعلمينَ، واستعداداتِهم
لتعلُّم موضوعٍ ما، وقياس ما حقَّقوه من تعلم.
المصادر والمراجع
1)
القرآن الكريم.
2)
ابو بكر محمد بن الحسين الآجُرِّي
(360هـ)، أخلاق العلماء ، المملكة العربية السعودية، دار رئاسة غدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، 1978.
3)
ابو بكر محمد بن الحسين الآجُرِّي
(360هـ)، أخلاق أهل القرآن ، تحقيق: محمد عبد اللطيف، بيروت، دار الكتب العلمية، 2003
4)
ابو بكر محمد بن الحسين الآجُرِّي
(360هـ)، كتاب الشريعة، تحقيق: عبدالله بن عمر الدميجي،
الرياض، دار الوطن، ج 1، 1997
5)
ابي العباس احمد بن محمد بن ابراهيم
بن خلكان (681هـ)، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق: يوسف الطويل و مريم
طويل، بيروت، دار الكتب العلمية، ج 4، 1998
6)
إبراهيم مصطفى وآخرون : المعجم
الوسيط، مجمع اللغة العربية ، تركيا، دار الدعوة، ط2، د.ت
7)
أبي الفرج محمد بن اسحاق النديم
(380 هـ)، الفهرست، تحقيق: ناهد عثمان، دار قطري بن الفجاءة، 1985
8)
أبي بكر بن أحمد بن علي الخطيب
البغدادي (463هـ)، تاريخ بغداد، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، بيروت، دار الكتب
العلمية، ج 2، 2004
9)
توفيق مرعي وآخرون، طرائق التدريس
والتدريب العامة، منشورات جامعة القدس المفتوحة، 2012
10) جيهان
الكحلوت، المقومات الشخصية والمهنية للمعلم في ضوء آراء
بعض المربين المسلمين ومدى تمثلها لدى معلمي المرحلة الثانوية بمحافظة غزة من وجهة
نظر طلبتهم، رسالة ماجستير غير منشورة، فلسطين، الجامعة الإسلامية، 2007
11) سنن
أبي داود 4/253 في الآداب ، باب في حسن الخلق رقم 4800
12) شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان
الذهبي (748هـ)، سير أعلام النبلاء، القاهرة، دار الحديث. 2006
13) صلاح
الناقة و إيهاب أبو ورد، إعداد المعلم وتنميته مهنيًا في ضوء التحديات المستقبلية،بحث مقدم للمؤتمر التربوي المعلم الفلسطيني –
الواقع و المأمول، غزة، الجامعة الإسلامية، 15 أغسطس 2009
14) عبد
الرحمن النقيب، مؤسسات التعليم في عصور الازدهار
الإسلامي، مصر، جامعة المنصورة، 2008
15) عبد
الرؤوف عبد الرحمن، أخلاق العالم والمتعلم عند أبي بكر الآجُرِّي ، رسالة ماجستير
غير منشورة، جامعة أم القرى، 1987
16) عبدالرحمن
الميداني، ضوابط المعرفة وأصول الاستدلال والمناظرة، بيرون،
دار القلم، ط1 ، 1975
17) عبدالرحمن
بن محمد ابن خلدون (808هـ)، مقدمة ابن خلدون، مكة المكرمة، دار الباز، ط4، 1398
18) عبدالله
عبد الدايم، التربية عبر التاريخ، بيروت، دار العلم للملايين، 1975
19) عصام
الدين حسن، التقنيات الحديثة في جودة تدريس علوم الرياضة، مدونات الألعاب
الفردية، التدوينة نُشرت في الأحد, 1
يونيو, 2014
20) فراس
عودة، الأدوار الحديثة للمعلم في ضوء مفهوم مدرسة المستقبل الالكترونية، ورقة عمل
مقدمة لليوم الدراسي الثاني بعنوان "المدارس الخاصة بين الواقع
والمأمول" والذي ينظمه ملتقى المدارس الخاصة في فلسطين، 5 مارس
2015
21) ماجد
الكيلاني، تطور مفهوم النظرية التربوية الإسلامية، عمان، جمعية عمال المطابع
التعاونية، الطبعة الأولى، 1978
22) محمد
القاسمي، الفتوى في الإسلام، لبنان، دار الكتب العلمية، 1986
23) محمد
جمل، تعميق التعليم والتعلم بين النظرية والتطبيق،
الإمارات، دار الكتاب الجامعي، 2001
24) محمد
سعد الدين، تاريخ التربية عند المسلمين، لبنان، دار
بيروت المحروسة، ط3، 2008.
25) محمود أبو دف، معالم الفكر التربوي عند
سيد قطب من خلال تفسيره في ظلال القرآن، مجلة الجامعة الإسلامية – غزة، ع2، 2003
26) محمود أبو دف، مقدمة في التربية
الإسلامية، غزة، مكتبة آفاق، 2004
27) نايف
العطار، مبادئ تعليمية للمدرسين في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية، مجلة
الجامعة الإسلامية سلسلة الدراسات الإنسانية، م 12، ع2، من 425-466، 2004
مواقع الانترنت:
1. عبد الرحيم السلمي، حقوق العلماء، موقع
الألوكة الثقافي، تاريخ الإضافة: 28/7/2008:
http://www.alukah.net
2. محمد قنديل، منهج التربية عند النورسي،
موقع النور للدراسات الحضارية والفكرية ، تاريخ الإضافة: 15/11/2015
http://www.nurmajalla.com
المراجع العربية الإنجليزية