تاريخ الإرسال (1-8-2021)، تاريخ قبول النشر (30-9-2021)

اسم الباحث الأول:                                                                                 

 

مفاهيم ومبادئ النهضة في القرآن الكريم وتطبيقاتها التربوية

Concepts and principles of renaissance in the Holy Qur’an and their educational applications

د.عماد محمد أبو غوري Dr. Imad Muhammad Abu Ghouri

1 اسم الجامعة والبلد (للأول)

 

* البريد الالكتروني للباحث المرسل:

 

       E-mail address:

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وزارة التربية والتعليم – فلسطين Ministry of Education - Palestine

abuezz@hotmail.com

الملخص:

هدفت الدراسة للتعرف إلى مفاهيم ومبادئ النهضة في القرآن الكريم وتطبيقاتها التربوية من خلال البحث في آيات القرآن الكريم، واستخراج مفاهيم النهضة، ومبادئها، وخصائصها، وأهدافها، واعتمدت الدراسة المنهج الوصفي التحليلي، وتوصلت الدراسة لنتائج منها: شمول وتكامل مفهوم النهضة في القرآن الكريم، اهتمام القرآن الكريم بالألفاظ الدالة على النهضة، وتأكيدها والعمل بمقتضاها( العمارة، الاستخلاف، التعمير،....)، انضباط النهضة القرآنية بالمعايير والقواعد الشرعية حتى لا تحيد عنها،  أو أن يعتريها الغلو أو والإفراط، لمفهوم النهضة في القرآن الكريم تطبيقات على التعليم العالي، ومنها المعلم أنموذجاً، وأوصت الدراسة وزارة التعليم العالي بالاهتمام بالمعلم واعداده جيداً لحمل رسالة الإسلام، من خلال عقد دورات تثقيفية وعلمية، تفعيل تطبيقات النهضة على المعلم..

  كلمات مفتاحية:  (مبادئ، النهضة ، القرآن الكريم ، تربوية ).

)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 



جسم البحث:

المقدمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي ببعثته أقام حضارةً ونهضةً لم ولن يشهد لها التاريخ مثيلاً لها، وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:

          نزل القرآن الكريم على أمة لم تكن لها حضارة ً من قبل، يعبدون الأصنام، تفرقوا في ولاءهم للفرس تارة وللروم تارة أخرى، غيّر ذلك المنهج نفوسهم فغير الله بهم الأمم، فزرع القرآن الكريم فيهم الإصلاح والتغيير والنهوض، فحصدوا الرقي في كل جوانب حياتهم.

          فهذا المنهج الفريد الرباني منهج القرآن الكريم التربوي الإصلاحي النهضوي الذي وصفه الله -سبحانه وتعالى- بقوله: ﭐﱡﭐ  ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵﱶ  ( الأنعام,آية:38)، فما من علم إلا وقد دلنا عليه القرآن وأرشدنا إليه، ﭧﭐﭨﭐ ﱡﭐ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱩ                                                                                       ( النحل,آية:89), قال ابن مسعود: وقد بين لنا في هذا القرآن كل علم، وكل شيء, وما الناس إليه محتاجون في أمر دنياهم ودينهم، ومعاشهم ( ابن كثير، 2002، 4: 595).

          ولما رأى أعداء هذه الأمة ذلك التقدم والنهضة التي وصلوا إليها المسلمون أغاظهم, فسعوا لتحييد الأمة عن نهج القرآن، وقد نجحوا في كثير من مخططهم فسقطت الأمة الإسلامية في أدنى  مراتع التخلف والسقوط إلا ما رحم ربي، فانبرى من الأمة رجالاً ينافحون ويكافحون لاستعادة نهضتها من جديد، فأسسوا لنظريات الإصلاح والتغيير المنشود, وذلك من خلال استعراض نماذج القرآن الكريم، فاستلهموا منها الدروس والعبر، فأخذوا بعوامل ومقومات النهوض.

          إن ترك أسباب النهوض, والرضى بالسقوط الحضاري, يجعل الأمة دونما  وزن في هذا العالم الذي لا يحترم من كان عالةً على الأمم, ويمارس التسول الحضاري, بل ويصدق فيهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم كغثاء السيل )( السجستاني، 2009: 6/ 355).

وقد تحدث العلماء والكتاب عن النهضة, أو أحد معانيها, منهم مالك بن نبي، فقال: " فالحضارة لا تظهر في أمة من الأمم إلا في  صورة وحي يهبط من السماء يكون للناس شرعةً ومنهاجاً, أو على الأقل تقوم على أسسها في توجيه الناس نحو معبود غيبي".( ابن نبي، 1987:56).

وقد كتبت سلسلة علمية من رسائل الماجستير في الجامعة الإسلامية - بغزة  بعنوان    " منهجيات الإصلاح والتغيير في سور القرآن الكريم كاملاً "، منها دراسة ضهير( 2012) ، بعنوان" منهجيات الإصلاح والتغيير في سورتي الفاتحة والبقرة".

- مشكلة الدراسة:

تميزت الحضارة الإسلامية بميزات جعلتها تتفوق على ما سبقها وما لحقها من الحضارات الأخرى، هذا التميز الذي ضمن لها الاستمرار، والتفوق لعقود طويلة، باعتبارها منهج الله تعالى للإنسان في الأرض للإصلاح والنهوض.

ومن معايشة الواقع الذي تعيشه الأمة الإسلامية اليوم، ومن تداعي الأمم عليها، واستيرادها النظريات الغربية للإصلاح والتغيير، وتقليد الحضارات الوافدة، وتركها لمصدر حياتها ونهضتها، يأتي هذا البحث ليبين مبادئ النهضة في القرآن الكريم وإبراز خصائصها وقواعدها ليستفيد من المسلمون والمصلحون .

ومن خلال العرض السابق تتحدد مشكلة الدراسة في الأسئلة التالية:

1-   ما مفهوم النهضة في القرآن الكريم؟

2-   ما قيم النهضة في القرآن الكريم؟

3-   ما خصائص النهضة في القرآن الكريم؟

4-   ما قواعد النهضة في القرآن الكريم؟

5-   ما أهداف النهضة في القرآن الكريم؟

6-   ما تطبيقات مبادئ النهضة في القرآن الكريم على بعض مكونات التعليم العالي الفلسطيني؟

- أهداف الدراسة:

1- تحديد مفهوم النهضة في القرآن الكريم.

2- توضيح قيم النهضة في القرآن الكريم.

3- التعرف إلى خصائص النهضة في القرآن الكريم.

4- التعرف إلى قواعد النهضة في القرآن الكريم

5- بيان أهداف النهضة في القرآن الكريم.

6- تفعيل تطبيقات مبادئ النهضة المستفادة على بعض مكونات التعليم العالي الفلسطيني.

- أهمية الدراسة:

1-     تأصيل مجالات التربية .

2-     تساعد الدراسة المؤسسات التربوية والمصلحين والنهضويين في تحقيق الشهود الحضاري من خلال التمسك بالتوجيهات القرآنية.

- حدود الدراسة:

* تتحدد الدراسة من خلال استقراء آيات القرآن الكريم, والتي تتحدد في بيان مفاهيم وقيم وخصائص وقواعد وأهداف النهضة في القرآن الكريم.

* وتم تطبيق مبادئ النهضة على بعض مكونات التعليم العالي الفلسطيني( المعلم أنموذجاً).

- مصطلحات الدراسة:

النهضة اصطلاحاً: السعي الجاد لتفعيل الطاقات، والقدرات، والعمل الدؤوب في سبيل التقدم بالأمة في كل مجالات الحياة، وامتلاك أسباب القوة، ومغادرة مربع الضعف، وتقديم الجديد النافع مع الاستفادة من الماضي.( ناجي،2014: 423)

التطبيقات التربوية:

يعني الباحث بالتطبيقات التربوية لمفهوم النهضة: الاستفادة العملية التي يمكن أن تمارس في الميدان التربوي، وذلك إما عن طريق الاستفادة من ذات النص، أو دلالته، أو بالاستنباط منه، بهدف إغناء خبرة الفرد، وإنماء شخصيته بصورة متوازنة ومتكاملة، لتشمل جميع جوانب الشخصية، وفي مجالات الحياة المتعددة.

- منهج الدراسة:

استخدم الباحث في دراسته أسلوب تحليل المحتوى من الناحية الكيفية، كأحد مداخل المنهج الوصفي، والذي يعتمد على تجميع الآيات المتعلقة بالنهضة في القرآن الكريم, وتصنيفها, ومن ثم إدراجها تحت الجانب الخاص بها من الجوانب التي ذكرت في تساؤلات الدراسة, ثم مقارنتها, وتحليلها, وتفسيرها للوصول إلى مقترحات, وتطبيقات للنهضة في التعليم العالي.

-   الدراسات السابقة:

1-    دراسة ناجي ( 2014)،" سنن النهضة في القرآن الكريم". هدفت الدراسة إلى بيان معاني النهضة، ومعانيها المتعلقة بها في القرآن وغيره، وبينت الدراسة عوامل نهوض الأمة الإسلامية، من توفر الإنسان الصالح، وتصحيح المفاهيم الخاطئة، والشمول، والتوازن، وامتلاك أسباب القوة وغيرها، وثم ذكرت أسباب ضعف النهوض، واستخدم الباحث المنهج الوصفي التحليلي، وتوصلت الدراسة لنتائج من أبرزها: للنهضة الإسلامية عوامل إذا توافرت مجتمعة تحققت النهضة المنشودة فإذا تحققت العوامل انتفت الموانع تحقق المطلوب، الانطلاق من الوحي إلى العصر هو مفتاح الانطلاق نحو المستقبل المنشود.

2- دراسة أبو حليمة ( 2012)، بعنوان" منهجيات الإصلاح والتغيير في سور الذاريات والطور والنجم والقمر والرحمن والواقعة والحديد". هدفت الدراسة إلى التعرف على  منهجيات الإصلاح والتغيير في تلك السور، وبيان الطريق الصحيح للنهوض بالأمة الإسلامية، ورفعتها من خلال منهجيات الإصلاح والتغيير، وذكرت الدراسة مقومات الإصلاح والتغيير العقدي، و الدعوي، و الأخلاقي، والاجتماعي في تلك السور، واستخدم الباحث المنهج الاستقرائي الاستنباطي، وتوصلت الدراسة إلى نتائج من أبرزها: التدرج في الإصلاح والتغيير، التأكيد على أهمية بناء الإنسان عقائدياً على أساس الإيمان و التقوى.

3-       دراسة حسن( 2009)، بعنوان" مسارات النهضة ونظائرها في الفكر الإسلامي الحديث: إطار مفاهيمي و قيمي". هدفت الدراسة إلى إبراز مفتاح النهضة ونظائرها في الإسلام ألا وهو الاجتهاد ، ثم تحدثت الدراسة عن نظائر النهضة في إطارها القيمي والمفاهيمي، من خلال استنهاض الأرض، والدين، والمعرفة، والسياسة، ثم الإصلاح من خلال ترميم الشروخ الاجتماعية، وتطهير الذمم، ثم التجديد والتطوير المستمر، واستخدم الباحث المنهج الوصفي التحليلي، وتوصلت الدراسة إلى نتائج من أبرزها: الفكر الإسلامي يحتفظ بمقومات النهوض والإصلاح والتجديد، إعادة تشكيل الوعي الإسلامي وفهمه وتصوراته ورؤاه وفق الوحي والعقل معاً لإعادة النموذج الإسلامي المفقود وفق مقتضيات الحاضر ومتطلبات الأمة.

4-   دراسة البار( 2003)، بعنوان" مفهوم الاستخلاف وعمارة الأرض في الإسلام". هدفت الدراسة إلى تجلية معنى وأبعاد مفهومي الاستخلاف والعمارة من الناحيتين اللغوية والشرعية، وبيان حكم وأبعاد العمارة والاستخلاف في الإسلام، وحكم القيام بمهمة الاستخلاف والعمارة في الأرض، واستخدم الباحث المنهج الوصفي التحليلي، وتوصلت الدراسة إلى نتائج من أبرزها: أن سبب شقاء الإنسان في الدنيا انحرافه عن نهج الله تعالى الذي رسمه له في خلافته لعمارة الأرض، إن العمارة يقصد بها البناء المادي والروحي والخلقي والاجتماعي وبهذا تكون أوسع أفقاً من مصطلح التنمية الاقتصادية.

5-       دراسة خليل ( 2000)، بعنوان" عوامل تدهور الحضارة الإسلامية". هدفت الدراسة إلى استعراض عوامل التدهور الحضاري في الحضارة الإسلامية، وعوامل انحسار الجهاد، وتضاؤل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغياب التوحيد، وتسلل الشرك ،والاستبداد السياسي، والظلم الاجتماعي، والتحلل الخلقي، والسلوكي، والفساد الإداري، وغياب العلم، وانتشار الجهل، وعوامل خارجية أخرى، واستخدم الباحث المنهج الوصفي التحليلي، وتوصلت الدراسة إلى نتائج من أبرزها: ليس ثمة حصانة إلهية مسبقة لأي حضارة من التدهور والانهيار بسبب نزوعها الديني أو الإيماني فاستمراريتها رهن جملة من الضوابط والمعايير والعوامل التي إذا أسيء التعامل معها سيقت الحضارة إلى مصيرها المحتوم.

التعقيب على الدراسات السابقة:

         بالنظر إلى جميع الدراسات السابقة فقد تبين أنها تتفق مع الدراسة الحالية في المنهج المتبع، وكذلك تحدثت عن النهوض والإصلاح والتغيير والاعمار والاستخلاف والتمكين في الأرض، وحاجة الأمة الإسلامية للنهوض، وتأكد الدراسات على أهمية الجانب الديني والأخلاقي والاجتماعي في عملية النهوض كما في دراسة ناجي( 2014)، ودراسة حسن( 2009)، ودراسة البار (2003)، وهذه تتفق مع الدراسة الحالية من حيث المقصد، وبعض الدراسات تتفق مع الدراسة الحالية في احتواء القرآن الكريم على منهج و مقومات النهوض والإصلاح والتغيير كما في دراسة أبو حليمة( 2012)، وتحدثت دراسة خليل ( 2000)، عن عوامل تدهور الحضارات وهذا جانب من جوانب الدراسة الحالية.

 وقد تميزت الدراسة الحالية بما يلي:-

-   في حدود علم الباحث لا توجد دراسة تناولت موضوع  النهضة في القرآن الكريم من خلال استقراء آيات القرآن.

-   تأصيل لمفاهيم، وقيم، وقواعد، ومنطلقات وأهداف النهضة في القرآن الكريم.

-   تطبيق النهضة على الجانب التربوي وخاصة على التعلم العالي.

- خطوات الدراسة:

قام الباحث بالخطوات التالية:

1-   جمع الآيات القرآنية التي تتحدث عن النهضة أو أحد معانيها.

2-   تحديد مفهوم وخصائص وقواعد وأهداف  النهضة من خلال آيات القرآن الكريم.

3-   الرجوع إلى الأدب التربوي للاستفادة منه في إثراء النهضة في القرآن الكريم.

4-   تطبيق مفاهيم ومقومات الدراسة على التعليم العالي وكيفية الاستفادة منها.

الفصل الثاني

مفهوم النهضة في القرآن الكريم

تمهيد:

        اهتم الإسلام بالحضارة وجعل لها قدراً كبيراً من الآيات والأحاديث النبوية الدالة عليها، ووجوب السعي لتحقيقها على أرض الواقع، ومن الجدير ذكره أن الحضارة الإسلامية تميزت عن الحضارات الأخرى بمميزات كثيرة، منها أنها اهتمت بجوانبها المتعددة سواء الجانب المادي أو الجانب المعنوي حتى يكتب لها الديمومة والنجاح.

        كما وذخرت الآيات القرآنية على بيان عوامل ضعف وسقوط الحضارات حتى يتجنب الإنسان الوقوع فيها، وتحديد أهدافها والغايات التي تسعى لتحقيقها في المجتمع، كما وأنها ضبطت بقوانين وسنن إلهية تعدّ مشاعل الهداية، وإغفالها يؤدي إلى الجمود والوقوع في التيه وعدم الوصول لأهداف النهضة المنشودة.

       وكل ذلك تأكيداً لما قاله الله تعالى: ﭐﱡﭐ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱷ ﱸ ﱹ                  ( سورة الأنعام ،آية: 38 )، والكتاب في الآية هو القرآن الكريم الذي أنزله, ما أخل فيه بشيء من أمور الدين , إما مفصلاً يستغني عن التفسير, أو مجملاً جعل إلى تفسيره سبيلاً( الماوردي: د.ت: 2/112).

        فمواكبة الشريعة للحضارة تدل على انفتاحها واستنارتها، وهي متميزة فقدمت للبشرية مفهوماً جديداً مخالفاً لكل ما سبقها، رافضةً  لمفاهيم الحضارات الأخرى القائمة على تقسيم الشعوب إلى فئات وعروق، فحضارة الإسلام دائمة الرقي والتقدم، وقد أعادت للبشرية توازنها وتكاملها في مكوناتها المادية والروحية، وبين الدنيا والآخرة، النابع من المصدر الإلهي للتشريع، وتحقيق عالمية الرسالة، لتحقق لأفرادها وللعالم السعادة في الدنيا والآخرة. 

        تلك الحضارة التي أعادت للإنسانية إنسانيتها في أروع وأبهج صورة عرفتها البشرية، بعد أن غرقت في وحل التيه والضلال، والماديات المقيتة، فكل حضارة غير الحضارة الإسلامية لهي الجاهلية في أبشع صورها، وفي هذا الفصل ستتناول الدراسة الحديث عن تعريف النهضة والألفاظ الدالة عليها، ومحددات وقيم وأهداف، وقواعد النهضة، وعوامل ضعف وانهيار الحضارة.

أولاً: تعريف النهضة لغةً و اصطلاحاً:

النهضة في اللغة: من نهض ينهض نهضاً ونهوضاً فهو ناهض.

·        نهض أصل يدل على حركة في علو ، ونهض من مكانه: قام ، وما له من ناهضة، أي قوم ينهضون في أمره ويقومون به ( ابن فارس، 2002: 5/ 291).

النهضة اصطلاحاً: السعي الجاد لتفعيل الطاقات، والقدرات، والعمل الدؤوب في سبيل التقدم بالأمة في كل مجالات الحياة، وامتلاك أسباب القوة، ومغادرة مربع الضعف، وتقديم الجديد النافع مع الاستفادة من الماضي( ناجي،2014: 423)

        وبالنظر للتعريف الاصطلاحي السابق، نجد أنها غفلت عن المقصد والهدف الأسمى من النهضة؛ ألا وهو تحقيق شرع الله، وخلافة الأرض بما أراده الله تعالى من الإنسان الخليفة، فأي نهضة لا يكون هدفها ذلك، فهي قاصرة لا تحقق مراد الله تعالى. 

لذلك يمكن أن نعرف النهضة في القرآن الكريم بأنها" الاستفادة القصوى من الإمكانات المادية والمعنوية والبشرية وتوجيهها في سبيل تقدم الأمة في كل مجالات الحياة المتعددة، لتحقيق شرع الله تعالى وخلافة الأرض"

ثانياً: الألفاظ المقاربة أو الدالة على النهضة في القرآن الكريم.

1- الحضارة:

ومن معانيها: 

        أ‌-        القرب من شاطئ البحر: ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ  ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ  ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ  ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ( سورة الأعراف، آية: 163 )، كانت بحضرة البحر، أي بقرب البحر وعلى شاطئه (الطبري،2000: 13/179)

      ب‌-      القرب من المسجد الحرام: ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﳡ ﳢ ﳣ ﳤ ﳥ ﳦ  ﳪ ﳫ ﳬ ﳭ ﳮ ﳯ ﳰ ﳱ  ( سورة البقرة، آية: 196 )، هم أهل مكة، وأهل الحرم لقربهم من المسجد الحرام( ابن كثير، 1999: 1/540)

      ت‌-      الشهود والمكاشفة: ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱝ ( سورة آل عمران ،آية :30)

          وهي بهذا المفهوم تمثل الحضارة التمدن والرقي والعلم في جوانب الحياة المادية، فالأقوام التي سكنت بالقرب من الشاطئ، أو المسجد الحرام أقوام متحضرة بعيدة عن البدو، وكذلك تتضمن الحضارة التمدن والرقي في جوانب الحياة، فمن أهل مكة والحرم انطلقت هداية الحضارة للإنسانية.

     وأما عن علاقة النهضة بالحضارة، فهي كما يلي:

          يمكن القول بأن النهضة والحضارة لفظان مترادفان في المدلول، فمدلول كل منهما امتلاك المقومات والإمكانات وتسخيرها في تحريك الحياة، والدفع لتقدم الأمة واستقرارها على ذلك، وبهذا المعنى تتمثل الحضارة، لكن البعض يخضع مدلولاتها تبعاً لفهمه المحدود لطبيعة مكوناتها ومقوماتها، وانعكاساتها على الحياة، كالنهضة والحضارة في المفاهيم الغربية، فهم يرون النهضة مدى مواكبتها للتكنولوجيا، بغض النظر عن مقوماتها الأساسية الأخرى، وارتباطها  بالجوانب الدينية والأخلاقية، وتأثيرها الإيجابي على السلوك الإنساني.

2- التمكين:-

لها معان متعددة في القرآن الكريم منها:

أ- التمكين بمعنى الملك والسلطان: قال – سبحانه وتعالى - في شأن ذي القرنين: ﭐﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ (سورة الكهف: آية، 84)، أي أعطيناه ملكاً عظيماً ممكناً فيه من جميع ما يُعطى الملوك من التمكين والجنود..(ابن كثير، 1999: 5/ 189) .

ب- التمكين بمعنى المنزلة عند الملك: قال – سبحانه وتعالى - في شأن نبي الله يوسف - عليه السلام -: ﭐﱡﭐ    ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ( سورة يوسف،آية:56)، ويفسر التمكين بأنه نصيب من الملك ومنزلة ذات قدر عند الملك.

ت- التمكين بمعنى التهيئة: وقال – سبحانه وتعالى - في شأن نبي الله  يوسف – عليه السلام -: ﭐﱡﭐ    ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ  ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ  ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲺ ﲻ ﲼ  ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ( سورة يوسف، آية: 21)، أي: جعلنا هذا مقدمة وتهيئة لتمكينه في الأرض من هذا الطريق (السعدي،2000: 395) .

ث- التمكين في نعم الدنيا ومعايشها: وقال – سبحانه وتعالى -: ﭐﱡﭐ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ  ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲼ ( سورة الأحقاف، آية : 26)، قال ابن كثير: يقول – سبحانه وتعالى -: ولقد مكنا الأمم السالفة في الدنيا من الأموال والأولاد وأعطيناهم منها ما لم نعطكم مثله ولا قريبًا منه (ابن كثير،1999: 7/288) .

ج- التمكين للدين: وهو يعني القدرة على مزاولة شعائره في أمن وإظهارها دون منازع أو مشوش، قال – سبحانه وتعالى - في سورة النور: ﱡﭐ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ  ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ  ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ  ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ    ( سورة النور، آية: 55)

ح- التمكين بمعنى الثبوت والاستقرار: ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ (سورة المرسلات، آية: 20-21) . أي ثابت مستقر.

والتمكين اصطلاحاً:  هو الرسوخ والاستقرار على الاستقامة( العجم، 2004: 2/ 118)

         وأما عن علاقة النهضة بالتمكين، فالتمكين بما سبق من مدلولات  تمثل هدف النهضة؛ والتي تسعى النهضة لتحقيقه.

3- العمارة:

     ومن معانيها:

أ- طلب عمارة الأرض: ﭧﭐﭨﭐ  ﱡﭐ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ  ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ  ( سورة هود، آية: 61)، ومعنى" اسْتَعْمَرَكُمْ" أعمركم من قوله: أعمر فلان فلاناً داره، فهي له عمرى. وقال قتادة: أسكنكم فيها، وقال زيد بن أسلم: أمركم بعمارة ما تحتاجون إليه فيها من بناء مساكن، وقيل: المعنى ألهمكم عمارتها من الحرث والغرس وحفر الأنهار وغيرها. الثالثة- قال ابن عربي قال بعض علماء الشافعية: الاستعمار طلب العمارة، فقوله تعالى:" استعمركم فيها" خلقكم لعمارتها" (القرطبي، 1964: 9/ 56)

ب- الصيانة والوقاية: ﭧﭐﭨﭐ ﱡﭐ  ﲣ ﲤ  ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ  ﲮ ﲯ ﲰ ﲳ ﲴ ﲵ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ  ﲼ ﲽ ( سورة التوبة: آية، 19) ، مصدر من عمر، كالصيانة والوقاية (الزمخشري، 1407: 2/256)

ت- حركة الإعمار المرتبطة بالعبادة: ﭧﭐﭨﭐ  ﱡﭐ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ  ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ   ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ (سورة التوبة، آية: 18)، والعمارة: هي حركة موصولة بمفاهيم الإسلام عن الكون والحياة والأحياء، وطريقته في تفسير الأشياء، كما أنه مرتبط دائماً وأبداً ابتداءً وانتهاءً بمنهج الله تدبراً واعتباراً وتحقيقاً لخلافته، وسعياً لعبادته وقرباً من رضاه ومحبته، من خلال حركة عمرانية مؤسسة على الوحي سائرة في صراط الله المستقيم( الخطيب، 2010: 104)

         وأما عن علاقة النهضة بالعمارة، فالعمارة تتضمن هدف النهضة سواء المادية، من إصلاح الأرض وإحداث التطور العمراني، أو المعنوي من عبادة الله تعالى، كعمارة المساجد بأهلها، وعبادة الله تعالى فيها، وهذا يؤكده تفسير الماوردي (د.ت: 2/ 347) بقوله: وعمارتها تحتمل ثلاثة أوجه: أحدها: إنما يعمرها بالإيمان من آمن بالله تعالى. والثاني: إنما يعمرها بالزيارة لها والصلاة فيها من آمن بالله تعالى. والثالث: إنما يرغب في عمارة بنائها من آمن بالله تعالى، لذلك فالعمارة مادية ومعنوية.

4- الاستخلاف:

     ومن معانيها:

أ- تملك البلاد وسياسة أهلها: ﭧﭐﭨﭐ  ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ  ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ  ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ  ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ    ( سورة النور: آية، 55)، فيجعلهم ملوكها وساستها( الطبري،2000: 19 /208).

ب- عمارة الأرض وإصلاحها:   ﭧﭐﭨﭐ  ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ   ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ  ﱔ ﱕ ﱖ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ  ( سورة البقرة، آية: 30)، أي لعمارة الأرض وإصلاحها.

ت- تمليك الأرض: ﭧﭐﭨﭐ   ﱡﭐ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ  ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳚ ﳛ ﳜ  ﳝ ﳞ ﳟ ﳠ ﳡ ﳢ ﳣ ﳤ ﳥ           ( سورة ص: آية، 26)، ملَّكه في الأرض( الطبري،2000: 21/198).

        وأما عن علاقة النهضة بالاستخلاف، فالاستخلاف يمثل النهضة، من تملك للأرض وعمارتها، وهذا ما أرادته الآية الكريمة بالاستخلاف، وهو أحد غايات خلق الإنسان، عبادة الله تعالى، وخلافة الأرض وفق منهج الله تعالى.

ثالثاً: قيم النهضة في القرآن الكريم:

          تميزت الحضارة والنهضة الإسلامية عن غيرها من الحضارات الأخرى بمنظومتها القيمية  والأخلاقية، والتي تتحكم بالدفع الحضاري، ومن هذه القيم التي سعت الشريعة الإسلامية لترسيخها ما يلي:

1-   العدل والإحسان: إن المسلم الذي يسعى لطاعة الله تعالى والدفع للنهوض الحضاري، يجب عليه أن يحتكم لمبدأ العدل في معاملاته مع الغير، وأن يراعي حقوق الآخرين عليه، دون أن ينقصهم شيئاً، مستشعراً أمر الله تعالى له بإقامة العدل والإحسان، ومن خلاله تظهر تزكية النفس وطهارتها من دوافع السطوة والبطش والظلم.

          وتعدّ من أسمى القيم التي تحلت بها الحضارة الإسلامية على مرّ العصور والأزمنة قيمة العدالة والإحسان بين أفراد المجتمع الإسلامي، وهما الضامنان لالتزام الأفراد بمقومات النهضة، وقد حث الإسلام عليهما؛ بل وأمر بهما وجعلهما منهاجاً للحياة، ﭧﭐﭨﭐ ﱡﭐ ﱬ ﱭ ﱮ  ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ  ﱹ ﱺ ﱻ  ( سورة النحل، آية: 90)، جاء بالعدل الذي يكفل لكل فرد ولكل جماعة ولكل قوم قاعدة ثابتة للتعامل، لا تميل مع الهوى، ولا تتأثر بالود والبغض، ولا تتبدل مجاراة للصهر والنسب، والغنى والفقر، والقوة والضعف. إنما تمضي في طريقها تكيل بمكيال واحد للجميع، وتزن بميزان واحد للجميع( قطب، 1412: 4/2190) 

         وقد أوجب الإسلام العدل وقول الحق، ولو على الإنسان نفسه أو الوالدين والأقربين، ﭧﭐﭨﭐ ﱡﭐ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ  ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱑ ﱒ ﱓ  ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ   ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ (سورة النساء، آية: 135).

إن العدل وإنصاف المظلوم، وتجنب الظلم مع ما في ذلك من الأجر، يزيد به الخراج، وتكثر به عمارة البلاد، والبركة مع العدل تكون وهي تفقد مع الجور، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كان يجبي السواد مع عدله في أهل الخراج وإنصافه لهم ورفعه الظلم عنهم مائة ألف ألف , والدرهم إذ ذاك وزنه وزن المثقال( ابن حبتة الأنصاري، د.ت:125)

             وحثنا الإسلام على التجرد والتحلل من الظلم وأسبابه والتوجه لإقامة العدل، لقوله تعالى: في الحديث القدسي ( يَا عِبَادِي، إِنِّي قَدْ حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ مُحَرَّمًا بَيْنَكُمْ فَلاَ تَظَالَمُوا )( البخاري، 2013: 183).

            وقد جمع القرآن الكريم مع قيمة العدل الإحسان، وحث النبي – صلى الله عليه وسلم – عليه بقوله: ( إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ )( النيسابوري، د.ت: 5/285)، أما الإحسان وهو تقديم حق الغير على حق النفس، وأدنى ذلك ملاحظة الخير في أفعال الغير، وفي أعلاه التضحية بالنفس من أجل الغير، وفي أوسطه الصبر على أذى الغير والتماس العذر له العفو عن مساءته ومكافأة الإساءة بالإحسان( الخطيب،2010: 79)

             فالعدل والإحسان هما أساس تحقيق الملك والحكم في المجتمعات، والذي ينتج عنهما منتهى الرضى من الآخرين، ومن خلالهما تقام الحضارة التي يكون أفرادها فيها سواسيةً، وهما سبباً لقيام كل فرد من أفراد المجتمع بمهامه تحت مظلة العدالة والإحسان، مع الشعور بالطمأنينة على نفسه وما يملك؛ لينطلق بالنهوض فلا يصده عن ذلك صاد.

2- التكريم: حظي الإنسان في الشريعة الإسلامية بتكريم ورفعة قيمته الإنسانية، فهو مكرم عن غيره من المخلوقات باعتباره خليفته في الأرض، وبغض النظر عن دينه، أو لونه، أو جنسه فالكل مكرم، وهذا مصداقاً لقوله تعالى: ﭐﱡﭐ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ  ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ  ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ( سورة الإسراء ،آية:71)، كرمه الله بالعقل، والنطق، والتمييز، والخط، والصورة الحسنة والقامة المعتدلة، وتدبير أمر المعاش والمعاد. وقيل: بتسليطهم على ما في الأرض وتسخيره لهم( الزمخشري: 1407، 2/680).

والتكريم حركة فاعلة تجعل الإنسان سيداً في الكون، بفعله وتفاعله وتفعيله، لا عليه بالقهر والسيطرة في حركة غاضبة، أو طاغية مستكبرة هي على الضد من المقصود بالتكريم؛ فالتكريم حالة إنسانية ليست بالطغيان، أو الاستكبار وليست بالإذعان والخنوع والذل وليست بالتهور، أو الطيش أو الهوى المحض، وفقدان التكريم هو بداية لفقدان الإنسان ذاته؛ بل هو فقد لكل قيمة إنسانية يكون مدارها الاستخلاف ( الخطيب،2010: 57)

           ومن مظاهر التكريم الإلهي للإنسان أن منحه القدرة على التعلم، والحصول على المعرفة، ﭧﭐﭨﭐ ﱡﭐ ﲐ ﲑ  ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ                     ( سورة العلق، آية: 3-5)، ومنها كذلك أن زوده بكل مقومات التعلم، كالسمع والبصر والفؤاد، ﭧﭐﭨﭐ  ﱡﭐ   ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ  ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿﳀ(سورة النحل:آية، 78).

       وهذا الشرف العظيم لهذا الإنسان من التكريم الإلهي له، يستدعي منه أن يستجيب لداعي الله – سبحانه وتعالى- ليكون دافعاً للاستخلاف والنهوض في الأرض بما يتفق مع منهج الله تعالى، وتلك الوظيفة التي استحق عليها الإنسان أن يسجد له الملائكة العظام، فلن يجد الإنسان  إنسانيته، وذاك التكريم إلا من خلال اتباع منهج الله. 

3- الشورى: فقد أرسى الإسلام دعائم المشاورة والأخذ بآراء الناس، وخاصة أهل الحل والعقد، فالقول الذي يصدر عن جماعة من المسلمين سيكون أصوب مما يصدر عن فرادى الناس، وبذلك ينفي عن نفسه صفة الاستبداد بالرأي و التعنت.

          والاستشارة تنور الأفكار، بسبب إعمالها فيما وضعت له، فصار في ذلك زيادة للعقول، وما تنتجه الاستشارة من الرأي الصيب والصحيح، فإن المشاور لا يكاد يخطئ في فعله           ( السعدي، 2000: 154)، ومن الآيات التي تحث على مبدأ الشورى، قوله تعالى: ﭐﱡﭐ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ  ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ( سورة الشورى، آية: 38).

           كما وأرسى النبي – صلى الله عليه وسلم- دعائم الشورى بين صحابته – رضي الله عنهم- والسير عليها في حياتهم،  لقوله لأبي بكر وعمر بن الخطاب( لَوِ اجْتَمَعْتُمَا فِي مَشُورَةٍ مَا خَالَفْتُكُمَا)(ابن حنبل ، 2010: 6 / 2436)

          والشورى هي سبيل معرفة الرأي الصواب عن طريق مناقشة الآراء وظهور الرأي الصواب، والاستفادة من جهود الآخرين وخبراتهم التي اكتسبوها في سنين طوال، وبها عصمة لولي الأمر من الإقدام على أمور تضر الأمة ولا يشعر هو بضررها، ولا سبيل إلى إصلاح هذا الضرر بعد وقوعه( الأنصاري، 1996: 7).

             فالقول والرأي الذي ينتج عن جماعة من أهل العلم وأهل الحل والعقد، في غالبه يكون صواباً، ليؤكد بذلك الإسلام على مبدأ الجماعة مقابل الفردية، والصوابية مقابل الاحتمالية، والإيجابية مقابل السلبية، فالعمل الناهض يجب أن تقل أخطاؤه، ويصوب آراؤه لتنهض به الأمة.

·       تطبيقات قيم النهضة على بعض مكونات التعليم العالي، المعلم أنموذجاً:

           أ‌-        أن يكون حاصلاً على أعلى الدرجات العلمية وخاصة التربوية.

         ب‌-      أن يكون معلماً قدوة لطلابه في القول والعمل.

         ت‌-      يتبع المنهج الإسلامي في التعامل مع طلاب وإقامة العدل بينهم فلا يظلم أحداً منهم، في نقاشاته، ونظراته، وتصرفاته، وشرحه للدرس، وتوجيه الأسئلة الصفية عليهم، وفي العملية التعليمية، ينطلق من قوله تعالى: ( ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ  ( سورة النحل، آية: 90)

         ث‌-        يراعي حال الطلاب دون امتهانهم أو التقليل من شأنهم، أو النيل من كرامتهم الإنسانية.

         ج‌-       يفعل مبدأ الشورى بين طلابه في كل أمور العملية التعليمية، من أنشطة منهجية وغير منهجية، والاتفاق على قواعد التعامل بين الطلاب ومعلمهم حتى يضمن الالتزام بها وضبط الحصة الصفية، وسيرها لتحقيق الهدف المنشود منها.

رابعاً: خصائص النهضة في القرآن الكريم:

           حتى تكون النهضة صحيحة، وتؤتي أكلها لابد من أن تكون لها محددات ومنطلقات، يهتدي بها المسلم ويسير وفقها حتى لا يحيد عن الهدف المنشود، ومن هذه الخصائص ما يلي:

1- ربانية المصدر: تستمد الحضارة الإسلامية قدسيتها كونها من عند  الله  تعالى، وتستمد تشريعها وجوانب حياتها وأهدافها وقيمها من الشرع الإسلامي، وهذا الذي ضمن لها التقدم الحضاري على غيرها من الحضارات الأخرى.

فقد تميزت رسالة الإسلام يكن للبشر علاقة بها غير التلقي، وتلقينها للناس كما هي، وأما الديانات الأخرى فقد دخلها التحريف والتبديل، فبدلت طبيعتها الربانية، بما يوافق الأهواء الشخصية، واختلافها تبعاً للزمان والأشخاص، وبقي الإسلام -وحده- محفوظ الأصول، محفوظاً بحفظه. مصداقاً لقوله تعالى: ﭐﱡﭐ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ( سورة الحجر،آية:9)،

وربط الإسلام كذلك بين الالتزام بالعقيدة وربانية المصدر للحضارة الإسلامية والرخاء في الحياة، ﭧﭐﭨﭐ  ﱡﭐ ﳂ ﳃ ﳄ  ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ  ﳍ ﳎ ( سورة طه،آية:124)، أي: من أعرض عن كتابي الذي يتذكر به جميع المطالب العالية، وأن يتركه على وجه الإعراض عنه، أو ما هو أعظم من ذلك، بأن يكون على وجه الإنكار له، والكفر فإن جزاءه، أن نجعل معيشته ضيقة مشقة، ولا يكون ذلك إلا عذاباً( السعدي، 2000: 515)، وﭧﭐﭨﭐ ﱡﭐ ﱎ ﱏ ﱐ  ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ  ﱚ ﱛ ﱜ ﱟ ﱠ ﱣ ﱤ  ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ( سورة المائدة،آية:66) دلالة على النماء والرخاء الذى سيصيبهم لو التزموا بالعقيدة. وقال ابن كثير: لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ، يعني بذلك كثرة الرزق النازل عليهم من السماء والنابت لهم من الأرض(ابن كثير،1999: 3/ 148)

       وهذا السبب الذي جعل للحضارة الإسلامية قيمتها الفريدة، وتميزها بأن مصدرها من الله تعالى للإنسان، وهذه الحضارة موافقةً للفطرة الإنسانية، تحقق حاجات الإنسان في الحياة، لذلك يعتبر المنهج الإسلامي أقوم وأشمل منهج للحياة.

2- العالمية: تجلت عالمية الحضارة الإسلامية من منطلقاتها الأولى التي حددت الهدف من رسالة محمد صلوات الله عليه، وحددت مهمات هذه الرسالة، فهي أرسلت للبشرية جمعاء، فلم تقف عند قومية أو بقعة جغرافية معينة، قال الله تعالى مخاطبًا رسوله: ﱡﭐ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ  ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ  (سورة سبأ:آية،28).

         وقد بشّر النبي- صلى الله عليه وسلم- بأن هذا الدين سيدخل كل بيت، كما في الحديث، (إِنَّ رَبِّي زَوَى لِيَ الأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ مُلْكَ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مَا زَوَى لِي مِنْهَا)( ابن حنبل، 2010: 597)

          إن الدور الرسالي للحضارة الإسلامية وعالميتها يمنحها طاقة وحيوية ويحتم عليها التفاعل مع سائر الحضارات، بحيث يصبح التفاعل وتوسيع دائرة المشترك الإنساني والتصاهر الحضاري وممارسة العطاء والأخذ تكليفاً شرعياً واستجابة لأمر الله وطاعته وثواباً، ذلك أن من أخص خصائص الحضارة الإسلامية الاضطلاع بعملية البلاغ المبين وإيصال قيمها( يوسف ،2014: 17)

           والعالمية هي المهمة التي تطبع الواقع الإنساني القائم، ويبدو أن كل تغيير حضاري يتجاوزها سوف يبقى مراوحاً في مكانه، مهما بدت لياقته في بعض مراحل السير، ونحن كأمة بحاجة إلى وعي هذه الفكرة بشكل عميق لأن أصلها التكويني يمتد إلى طبيعة المذهبية الإسلامية في تشكيلها النهائي القرآنية، فختم النبوة معناه عالمية الحضارة الإسلامية وثقافتها التوحيدية، ومعناه كذلك الظهور الحضاري للدين الحق(ابن مبارك ،1995: 73)

       وعالمية الحضارة  الإسلامية هي التي تحفظ للآخر خصوصيته وحقوقه، فليست كعالمية الحضارة الغربية، أو ما يسمى بالعولمة، والتي تسعى للسيطرة على العالم والبطش بهم، ونشر الظلم وسلب حقوق ومقدرات الآخرين، والتي تسعى لتذويب حضارة الآخر وإلغائه، فعالمية الإسلام حافظت على خصوصيات وثقافة الآخر، بل واستفادت منها بما لا يتعارض مع العقيدة الإسلامية، فجعلت من هذا التنوع مصدر للدفع بالحضارة الإسلامية، ولتحقيق خلافة الأرض.

3- الشمول والتكامل:

قدم الإسلام مفهومًا شاملاً لمجالات الحياة المتعددة، يجمع بين الدين والدنيا، وأعمال الجسد والروح، والجماعية والفردية، وهذا لن تجده إنسان في أي حضارة أخرى، وتنطلق نظرة الإسلام للعلوم والمعارف بجميع أنواعها وتخصصاتها التي تفيد الفرد والمجتمع وتطور حياتهم لتحقيق السعادة في رحاب الإسلام.

ويوجه القرآن النظر إلى الآيات الكونية التي تتدبر العلوم الفلكية, والطبيعة وما فيها من عبر بالغة تهدي الناس إلى الإيمان بالله وحده، ﭧﭐﭨﭐ  ﱹ ﱺ  ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ  ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ  ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ  ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ( سورة آل عمران،آية:190-191)

        وأما في جوانب الروح والمادة فقد جمعت الشريعة الإسلامية بينهما جمعاً فريداً فلا يطغى جانب على جانب، وهذا على الخلاف من النصرانية والتي اهتمت بالجانب الروحي وأهملت الجانب الجسدي، فحرموا على أنفسهم الزواج وابتدعوا الرهبانية، قال الله تعالى فيهم: ﭐﱡﭐ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ  ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ  ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ( سورة الحديد،آية:27)                                        

        ومن الشمول والتكامل في الحضارة الإسلامية الدمج بين مكونات الحضارة بنوعيها            ( المادي والمعنوي ) في دمج فريد، ﭧﭐﭨﭐ  ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲾ ﲿ  ﳀ ﳁ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ   ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ( سورة القصص،آية:77)

أما خصائص الحضارة الإسلامية من حيث الشمول:

أ‌-       فهي حضارة لا تحدها حدود ضيقة من الفكر، فتحجبها من أي كمال من الكمالات.

ب‌-    ولا تحدها حدود ضيقة من النفس فتحصرها ضمن الدوائر الأنانية العنصرية أو القومية أو الطبقية، أو غيرها.

ت- فإن الحضارة الإسلامية لا تحدها حدود مكانية، ولا حدود زمانية، فكل مكان من الأرض هدف لإقامة الحضارة الإسلامية عليه، وكل زمان من الدهر هدف لإقامة الحضارة الإسلامية فيه ( حنبكة،1998: 119)

          ومما سبق يتضح أن الأمة الإسلامية لم تقم على وحدة الدم أو على وحدة العرق أو النسب؛ بل على وحدة الدين والعقيدة، لذلك استطاعت العقيدة الإسلامية أن تصهر كل مفرقات الحياة المتعددة والمتناقضة عند غير المسلمين، لتجمعها في بوتقة الإسلام والعقيدة، دون الإخلال بها، ليستثير بذلك مكنوناته التي أودعها الله فيه، ليكون خليفة لله في أرضه، وعمارتها وإقامة النهضة المنشودة وفق منهج  الله تعالى لعباده.

4- التوازن:

          مزجت الفلسفة الإسلامية للحياة بين مكونات الإنسان بشكل ونظام دقيق، يضمن عدم الإخلال بتلك المكونات، كتوازنه بين عالم الروح والمادة، وبين متطلبات الدنيا والعمل لها، وأعمال الآخرة والحرص عليه، كما وازنت الشريعة الإسلامية بين اهتمامات الفرد وما يتعلق بالجماعة.

 وتشير الآية الكريمة للتوازن بين متطلبات الدنيا والآخرة، في قوله تعالى: ﭐﱡﭐ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲾ ﲿ  ﳀ ﳁ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ   ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ  ( سورة القصص،آية:77)،  ونهى الإسلام التفرغ للعمل وترك احتياجات الحياة من العمل، فأمر بعد الفراغ من العبادة التوجه للسير والضرب لابتغاء فضل الله تعالى من العمل،  لقوله تعالى: ﱡﭐ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ  ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ     ( سورة الجمعة ،آية:10)

والشريعة الإسلامية  بذلك توازن بين: الروح والجسد أو عالم المعنويات وعالم الحس، وعالم الغيب وعالم الشهادة، الإيمان بالقدر والأخذ بالأسباب، العمل الفردي والعمل الجماعي، وبما أن الفرد مشحون بغريزة أنانية مستبدّة تنحاز إلى المصلحة الفردية لتحمي ذاتها في مواجهة التحديات المختلفة، فإن إرادة الأنا تصطدم بإرادة الآخر؛ فردًا كان أو جماعة، وإن من مسؤولية أية فكرة حضارية تحقيق المصالحة والتوازن بين هاتين الإرادتين( جندية، 2011: 84).

ومن السنة النبوية ما يحث على التوازن في جوانب الحياة الإسلامية وأعمالها، ما ورد عن  أنس، أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لاَ أَتَزَوَّجُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُصَلِّي وَلاَ أَنَامُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَصُومُ وَلاَ أُفْطِرُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: ( مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)( ابن حنبل،2010: 5/949)

          ومبدأ التوازن بين الحاجات الروحية والمادية وهي مسألة عميقة في نسيج القرآن والسنة، بحيث يبدو الفصل بين الطرفين إقحاماً فجاً يتناقض ابتداءً مع الوضع الذي يريده الإسلام للإنسان في هذا العالم، ومادام الأمر كذلك ومادام أريد للإنسان المسلم أن يكون متوازناً قديراً على الفعل والتغيير والحركة غير متأزم أو جانح أو مكبوت(خليل، د.ت:141)

         وبذلك تكمن حيوية الإسلام بأنه وازن بين مصلحة الفرد والاهتمام به، وبكفاءاته وطاقاته كأمر مهم للتنمية، وبين مصالح الأمة وتقرير حقها في كسب الفرد، ووجوب التكافل بين أفراد الأمة، وأن تكون غايات الفرد منسجمة مع الغايات التي رسمتها الشريعة الإسلامية، وبهذا يتحقق التوازن الفعال،  والمنضبط بين مختلف المصالح الدينية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها.

5- الثبات والمرونة: تنبع هذه الخاصية من ثبات الأصول والمقومات والقيم التي تستمدها الحضارة الإسلامية، فلا يمكن أن تتغير أو تتبدل على مرّ العصور، فهي تمثل المقاييس التي تقاس بها الأمور، ولا يمكن أن يتصور تغيرها أو تبدلها.

        ومن مظاهر هذا الثبات، الغاية والأهداف فلو تغيرت أو تطورت، لخرج الإنسان عن حقيقة إيمانه بالله تعالى وكفر به، والله – سبحانه وتعالى – يقول: ﭐﱡﭐ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ  ﲷ ﲸ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ  ﳀ ﳁ ﳂ ( سورة المؤمنون،آية:71)، وأما عن مظاهر المرونة؛ فرد كل شيء نتنازع فيها أو نجهله للقرآن أو السنة، وإن لم نجد فللعلماء والمجتهدين أن يستنبطوا أحكامه وفروعه ويبينوه لعامة الناس، ﭧﭐﭨﭐ ﱡﭐ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ  ﱿ ﲀ ﲁ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ  ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲑ ﲒ  ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ                   ( سورة النساء،آية:83)

          ومن مظاهر مرونة الحضارة الإسلامية أنها لم تكن أبداً منذ مولدها منغلقة على نفسها؛ وإنما كانت دائماً مرنة، قابلة للأخذ والعطاء، وحسب هذه الحضارة أنها احترمت تراث الوثنية في شتى العلوم والفنون، ولم تقف من هذا التراث موقفاً معادياً مثلما فعلت الكنيسة ورجالها في الشطر الأول من العصور الوسطى، ولم تجد ما يحول دون الاستفادة من الحضارات اليونانية والفارسية والهندية التي احتكت بها، كل ما في الأمر أنها أحسنت الانتقاء فلم تقبل كل ما صادفته من عناصر الحضارات الأخرى، وإنما تخيرت ما من شأنه أن يساعدها على الاحتفاظ بقيمها ومثلها وطابعها، ورفضت كل ما لا يقبل التكيف وكل ما لا يتفق وروحها ومبادئها(عاشور، وعبد الجميد، والعبادي ،1996: 17)

          فالإسلام بذلك يضمن للحياة مزية التناسق والتناغم مع النظام الكوني، ويقيه شر الفساد الذي يصيب الكون كله، وإلا فلا ضابط يضبط الحياة وقوانينها أو تصرفات الإنسان فيها، وعندئذٍ يتوجب الثبات الذي لا يتبع الأهواء، وإعطاء مساحة كبيرة من المرونة التي تتحلى بها الفروع والوسائل ويدخل عليها الاجتهاد، فالنهضويون ينطلقون من أصول ومبادئ وقيم ثابتة لا تتغير، تجعل عندهم العزيمة والثبات على السير قدماً في الاتجاه الصحيح، فثباتهم على هذا الأمر نابع من ثبات عقيدتهم ومبادئهم وقيمهم.

6- التدرج: فقد جعل الله تعالى التدرج سنة كونية وسنة شرعية أيضاً، فاقتضت حكمته خلق السماوات والأرض في ستة أيام، ﭧﭐﭨﭐ ﱡﭐ ﱟ ﱠ  ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ  ﱪ ﱫ ﱬ ( سورة ق،آية:38).

وأما من الناحية الشرعية، فقد بدأ الإسلام بالدعوة إلى التوحيد، وتثبيت العقيدة السليمة، ثم كان التشريع شيئا فشيئا، فقد فرضت فرائض وحرمت محرمات بالتدريج، وفي هذا المعنى تقول عائشة- رضي الله عنها- : (إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنَ المُفَصَّلِ، فِيهَا ذِكْرُ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الإِسْلاَمِ نَزَلَ الحَلاَلُ وَالحَرَامُ، وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ: لاَ تَشْرَبُوا الخَمْرَ، لَقَالُوا: لاَ نَدَعُ الخَمْرَ أَبَدًا، وَلَوْ نَزَلَ: لاَ تَزْنُوا، لَقَالُوا: لاَ نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا)( البخاري، 1422: 6/185)، ولهذا المعنى يقول ابن حجر: فلما اطمأنت النفوس على ذلك أنزلت الأحكام ولهذا قالت ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندعها وذلك لما طبعت عليه النفوس من النفرة عن ترك المألوف( العسقلاني، 1379: 9 /40)

ومن فوائد التدرج، أنه يسهل الانقياد والتطبيق، وهو سنة من سنن الله تعالى في خلقه، والمنهج الإسلامي لم يبدأ في علاج رذائل الجاهلية وانحرافاتها ابتداءً، إنما بدأ بغرس العقيدة الصحيحة القوية التي يستجيب بعدها لداعي الله ورسوله، ثم انتقل بالتغيير لأمور الحياة والعبادات فاستجابوا وانصاعوا لأمر الله ورسوله.

بذلك يتبين منهج الرسول القدوة في البناء والتغيير الحضاري هو منهج اللبنة والتدرج وتحضير المحل، والأخذ بيد الناس على تحقيق المقاصد الإسلامية وتقويم سلوكهم بشرع الله شيئاً فشيئاً حتى وصل بهم إلى درجة الاكتمال والكمال في بناء المجتمع الأنموذج، وهذا المنهج لم يقتصر على مرحلة النبوة الخاتمة؛ وإنما هو منهج النبوة في التاريخ الإنساني، ووسيلة الأنبياء جميعاً حتى عن النبوة الخاتمة بكل مقوماتها وأهدافها ومنطلقاتها لم تخرج عن أن تكون لبنة في البناء النبوي الممتد مع رحلة الإنسان على الأرض وقد ألمح إلى هذا وأكده الرسول – صلى الله عليه وسلم – بقوله: (وَمَثَلُ الأَنْبِيَاءِ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بُنْيَانًا فَأَحْسَنَهُ وَأَكْمَلَهُ وَأَجْمَلَهُ فَجَعَلَ النَّاسُ يُطِيفُونَ بِهِ يَقُولُونَ مَا رَأَيْنَا بِنَاءً أَحْسَنَ مِنْ هَذَا إِلاَّ هَذِهِ الثُّلْمَةَ فَأَنَا تِلْكَ الثُّلْمَةُ)( ابن حنبل ،2010: 3/1075)(ابن مبارك ،1995: 26).

          وهذا يوضح التدرج سنة كونية وحضارية لابد منها في إقامة الصرح الحضاري للإسلام، إذ إنه لا يمكن أن تقام حضارة دفعة واحدة، فكان لزاماً على النهضويين والمصلحين والذين يدعون إلى التغيير وإصلاح الأمم والمجتمعات واستئناف الدورة الحضارية للحياة الإسلامية، أن يراعوا سنة التدريج في الإصلاح والتغيير، سواء في أهداف أو غايات أو وسائل اصلاح القيم والأخلاق، وتعديل الخلل والرذائل التي طبعت عليها النفوس. 

7- إنسانية: إن النهضة الإسلامية جاءت للإنسانية جميعاً، تنشأ وتقام بجهودهم لتفيدهم في كل مناحي الحياة، فيحيى تحت ظلالها، ويتحاكم ضمن عقيدتها وقيمها، ليتحصل على ثمارها في تحقيق الحياة الآمنة، ، فيحقق ما أراده الله من خلافة الأرض وفق منهجه.

         ويكفي البشرية شرفاً وفخراً أنهم كرموا على الملائكة، بأن جعلهم خليفة الله تعالى في الأرض، ﭧﭐﭨﭐ ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉﱊ  ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ  ﱔ ﱕ ﱖ ﱗﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ  ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ  ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ( سورة البقرة،آية:30-31)

         والإسلام ساهم في بناء الحضارة الإنسانية باختلاف أجناسهم وألوانهم ولغاتهم، وشعاره في ذلك قوله تبارك وتعالى: ﭐﱡﭐ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ  ﱭ ﱮ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱷ ﱸ  ﱹ ﱺ ﱻ ( سورة الحجرات ،آية:13)

          فالإنسان هو العنصر الفاعل في وجود الحضارة، إذ إن له الدور الأكبر في هذا المجال ليس فقط لأنه الشرط الأساسي للفعل الحضاري، وإنما لأنه هو الذي يحدد قيمته الاجتماعية، وهذا يعني أن نشوء الحضارة وتطورها منوط به، وهذا ما يجعل منها تعبيراً عن مراحل إنسانية تطورية متقدمة( ابن نبي،2007:  55)

         فالطابع الإنساني للنهضة الإسلامية هو الذي  يعطي للإنجاز الحضاري صفة الشمول؛ لأنه يكون تكامل إبداعات كافة الشعوب في جميع أنحاء الأرض، وتلاقح أفكارها ونتاج تبادل ثمرات معارفها وخبراتها وإنجازاتها العلمية (زهرة ،2014:  58)، وحتى يكون الإنسان خليفة الله في الأرض لابد له من تزكية نفسه وبذل الجهد في الامتثال لأمر الله تعالى، لكون طهارة النفس شرطًا في صحة خلافة الله تعالى، وكمال عبادته لا تصلح لخلافة اللَّه تعالى ولا يكمل لعبادته وعمارة أرضه إلا من كان طاهر النفس قد أزيل رجسه ونجسه، فللنفس نجاسة كما أن للبدن نجاسة( الراغب، 2007: 86)

لذلك كانت الحياة المادية عند غير المسلمين هي أعلى مرتبةً عند الإنسان من الإنسان، لكنّ الإسلام صحح تلك النظرة الخاطئة، وصحح تلك المفاهيم من خلال ترسيخ القيم والاتجاهات، فأعطى الإنسان إنسانيته المفقودة، فجعل الإنسان أشرف وأعلى من الماديات، بل سخّر ماديات الكون لخدمته والانتفاع بها، وبمشاركة أخيه الإنسان في كل بقاع الأرض.

8- الوسطية والاعتدال: تميزت أحكام الشرع الإسلامية بوسطيتها واعتدالها في القيم والموازين وجوانب العبادة، فلا إفراط ولا تفريط، بل كان موقفها تعنيف من يتنكب ذلك المنهاج، وتصحيحه ورده للطريق القويم والمنهج الصحيح.

          والمقصود بالوسطية: أي أمر اتصف بالخيرية والبينية جميعاً( الصلابي، 2001: 34)

فالأمة الإسلامية وصفت بالوسطية بين الأمم، ما بين ضال كالنصارى، أو مغضوب عليهم كاليهود، فمنهج الأمة في مجالات حياتها الإيمانية، والأخلاقية، والاقتصادية، ..وغيرها لا يخرج عن وسطيتها المرسومة لها من الله – سبحانه وتعالى- لتكون حضارة فريدة معلمة لغيرها من الحضارات الأخرى، ﭧﭐﭨﭐ ﱡﭐ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ  ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥﱦ  ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ  ﱲ ﱳ ﱴ ﱵﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ  ﱾﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄﲅ ﲆ ﲇ ﲈ  ﲉ ﲊ ﲋ ( سورة البقرة،آية:143). فالقرآن الكريم يقرر منهج الوسطية في العبادة بأساليب متعددة ومتنوعة فأحيانا بيان الانحراف الواقع في حقيقة العبادة، وأحيانا بيان كيفية عبادته وحده -سبحانه وتعالى( الصلابي، 20001: 565)

           ومن ملامح الوسطية اليسر ورفع الحرج في التشريع والأحكام الشرعية، قوله تعالى: ﱡﭐ  ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ  ﲬ ﲶ ( سورة البقرة،آية:185)

          ومن ملامح وسطية الإسلام الانفتاح على حضارات الغير، إذ إن الإسلام لم يحجر على أفراده أو يفرض عليهم الانغلاق الفكري  أو الاجتماعي دون أن يكون مطلعاً على ما حوله من ثقافات وحضارة تحيط به، بل جعل لهم الحرية التي تتفق مع الشرع، فاعتبر الإسلام الإخوة الإنسانية سبب لتجمع بين الأمم في المتفقات بينهم، قال تعالى: ﱡﭐ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ  ﱭ ﱮ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱷ ﱸ  ﱹ ﱺ ﱻ   (سورة الحجرات،آية:13)

          وبذلك يتضح شمول وتكامل منهج الوسطية في الإسلام، ليشمل جميع مناحي الحياة، العقدية، والأخلاقية، والاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، وغيرها. ليدلل على أنه المنهج الخالد، والذي يصلح لكل زمان ومكان، ويُظهر سماحة الإسلام ليجد بذلك طريقه للقلوب.

·       تطبيقات خصائص النهضة على بعض مكونات التعليم العالي، المعلم أنموذجاً:

        أ‌-        أن يكون صاحب رسالة ليؤدي من خلالها ما عليه من أمانة العلم والتعليم. قوي الإيمان بالله تعالى، سليم العقيدة.

      ب‌-      يخاطب العالم لأن رسالته رسالة لكل العالم مقتدياً برسوله- صلى الله عليه وسلم.

      ت‌-      شامل الخبرات والمعارف، فلا يقتصر بما تعلمه؛ بل يسعى للاستزادة من كل علم نافع.

      ث‌-      يراعي في تدريسه حاجات الروح والمادة، وبين متطلبات الدنيا والآخرة، ومراعاة حاجات الفرد دون الاضرار بالجماعة.

       ج‌-       ثابت في عقيدته ودينه، مرن في الوسائل والتعامل مع الآخرين فلا يتحجر، ولا يضيق واسعاً، وذلك لتحقيق أهداف العملية التعليمية.

       ح‌-       يراعي التدرج في شرحه واستخدامه لطرق التدريس والوسائل المعينة على تحقيق العملية التعليمية.

       خ‌-       يراعي الإنسانية في تعامله مع الآخرين، ولو كان مخالفاً لفكرته أو لفكره ومعتقده.

       د‌-       يتصف بالوسطية فلا إفراط ولا تفريط، ينطلق من قوله: ﱡﭐ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﲋ ( سورة البقرة،آية:143).

خامساً: قواعد تحكم النهضة:

والنهضة حتى تسير على هدى وبصيرة، وفي طريق صحيح، دون أن تحيد عن مسارها الذي أراده الإسلام، فلا بد من قواعد تحكم النهوض منها:

1- قاعدة الأولويات:

           الأمة التي تحسن استخدام أمورها بعناية واقتدار، وتقديم ما هو أولى وتأخير ما لم يحن أوانه، فهذا دليل على فهمها العميق لمجريات الواقع ومتطلباته، والأمة الناهضة يجب عليها أن تعي جيداً أولويات شؤونها في العمل النهضوي، فتقدم الأهم ثم المهم ثم الأقل أهمية، والإخلال في ميزان الأولويات يورث الخلل والفوضاوية، وهدر ثروات الأمة فيما لا نفع فيه، ثم تتسول وتكفف ما في أيدي الغير.

             فالعمل واستثمار طاقات الكون في المنظور الإسلامي يتم وفقاً لأولويات الواقع وأولويات الشرع في مقاصده فيضع الضروريات فلا تقوم حياة الفرد إلا به ولا تستمر إلا بوجوده، بحيث إذا فقد لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وفوت حياة، ثم الحاجيات، وجملة الحاجيات الإنسانية في مستويات يسبقها مستوى الكفاف الإنساني،  ثم بعده ينظر إلى الكماليات(الخطيب،2010: 139)

            ومن الآيات التي تحث على هذا المعنى، قوله تعالى: ﭐﱡﭐ  ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ  ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ  ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ  ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ  ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ   ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱱ ﱲ  ﱵ ﱶ ﱷ ( سورة البقرة،آية  : 177).

         ويعتبر ترتيب الأولويات من المهارات التي يحتاجها إليها الفرد والجماعة في حياتهم اليومية، وذلك أن متطلبات الحياة متشعبة وحاجات الفرد والجماعة غير متناهية، والوقت غير كاف لتحقيق ذلك كله، فإذا لم يرتب الإنسان وينظم الوقت والجهد والإمكانات والموارد البشرية والمادية، ويقدم الأهم على الأقل أهمية بناء على استراتيجية الفرد والجماعة للتنمية والمشتقة من أهدافهم، فإن ذلك يؤدي إلى التشتت الذهني والسير في اتجاه لا يخدم الهدف الأهم                     ( يوسف،2014: 166)

فامتلاك فقه الأولويات في التغيير أمر بالغ الأهمية في الفقه الحضاري، فالأولويات في الأهداف والتخطيط والتنظيم والتنفيذ والمتابعة، فلا يترك ما تحتاجه الأمة من كبريات العلم كالتقدم العلمي والصناعة والاقتصاد لينشغل بأقل منها، أو من ينشغل بالفروع ويترك الأصول والكليات، فالنهضة تحتاج لتقديم الكيف على الكم، والفهم على الحفظ، والدائم على المنقطع، والمتعدي النفع على القاصر نفعه، وهكذا.

2- قاعدة فهم السنن الإلهية: إن حاجة المسلمين اليوم لفهم هذه السنن الإلهية، وحسن التعامل معها، والتحكم فيها أكيدة؛ حتى يستعيدوا قدرتهم على التغيير والإصلاح والنهوض والقيام بواجبات خلافة الأرض، وقد جاء النص القرآني واضحاً في ذلك، ﭧﭐﭨﭐ ﱡﭐ ﳂ ﳃ ﳄ  ﳅ ﳆ ﳇ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ  ( سورة الأحزاب، آية: 62)، ولن تجد لسنة الله التي سنّها في خلقه تغييراً، بل ذلك دائم للإنسان، جزاءه من الإحسان وللإساءة والكفر والعقاب والنكال(الطبري، 2000: 20/329)، وتبديلاً يعني تغييرًا، بل سنته تعالى وعادته جارية مع الأسباب المقتضية لأسبابها( السعدي، 2000: 671)

          ومن فوائد معرفة السنن الكونية، منها: التعرف على ذاكرة الأمة وتواتر أحداثها والقدرة التفسيرية لواقعها، وفقه العقوبات والمآلات وامتلاك الرؤية على تصويب الخلل وتجنب الإصابات، قراءة مستقبل الأمة في ضوء المدخل السنني، إذ الاعتبار يرشد إلى الصوابية في بناء الحاضر، ويمنح القدرة على عبور الماضي والحاضر إلى استشراف المستقبل ثم التمكن من تشكيل المستقبل والمداخلة في بنائه في اطار تتواصل فيه حلقات الزمان، وتتفاعل ضمن مناهج التفكير والاعتبار ( الخطيب،2010: 177)

        فمعرفة المسلمين لتلك السنن الإلهية التي لا تتغير، وخاصة تلك السنن التي تفيد النهوض، والتي تنتفي من خلالها العشوائية، والفوضى الفكرية من عقولهم، ستكون هاديةً لهم في طريق النهضة، ماثلةً نصب أعينهم آخذين بها، ليدفعهم لاستثمارها واستشراف المستقبل بما يحقق النهوض والإصلاح المنشود للأمة.

3- قاعدة التحديات: واجه الأنبياء وأتباعهم تحديات كبيرة في طريق الدعوة إلى الله تعالى وتبليغ شرعه، لكنهم استطاعوا أن يتعاملوا معها بحكمة واقتدار، بواقعية وعقلية المستمد هداه من الله – سبحانه وتعالى – وقلما نجد سورة من سور القرآن الكريم تخلو من تلك التحديات.

        فمن التحديات: معاناة نبي الله  موسى-  عليه السلام – في لقائه مع سحرة فرعون وتحديهم بمعجزته مقابل سحرهم، حتى دخل لقلبه الخوف، ﭧﭐﭨﭐ ﱡﭐ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ  ﱥ ﱦ ﱧ ( سورة طه،آية: 67-68)، وما وجده من بني إسرائيل من الشدة والقسوة والعناد، فتارة يأمرهم بذبح بقرة فلم يستجيبوا إلا بعد أن شددوا على أنفسهم.

         ونبينا – صلى الله عليه وسلم-  قد نالت منه التحديات كثيراً، وقد علم بعظمها على نفسه قبل بعثته، بعدما سمع من ورقة بن نوفل بعدما أخبره بما رأه في غار حراء، فقال له:      ( لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ»، قَالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا. ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ، وَفَتَرَ الوَحْيُ )( البخاري، 1422: 1/7)، لكنه استطاع رسول الله – صلى الله عليه وسلم أن يتغلب عليها بصبره ومصابرته وتضحياته في سبيل نشر دعوة الله تعالى في قومه حتى وصلت الآفاق.

         لكن أحياناً تكون التحديات عائقاً أمام النهضويون للوصول لما يصبون إليه، وهذا التحديات تختلف من زمان لآخر، ومن هذه التحديات: ومنها العوامل الداخلية للمكون الإسلامي والذي يتمثل بالتقليد: فهذا النوع من الإحساس والسلوك المضاد لحركة التجديد ومن هنا تكون الحركة التغييرية كمن يريد إيقاف أنفاس المجتمع القائم وقبض روحه القديمة ( ابن مبارك،1995 : 107)

             لذلك فكلما عظم التحدي اشتدّ الحافز لمقامتها، وتعمل التحديات على صياغة الصفات النفسية لرجل الحضارة، وتحفّز غريزةَ الوجود، وتستفزّها للمقاومة، واستنهاض ما لديها من إمكانات وملكات؛ فردية وجماعية( جندية, 2011  :43)

           فالأمة التي تستطيع أن تتعامل مع تلك التحديات بالصبر والمصابرة والخروج منها، لهي الأقدر على إدارة كفتها لصالح الأمة ونهضتها، فطريق النهضة شائك لحكمة إلهية عظيمة؛ مفادها أن ما يتحصل عليه المسلم بالمغالبة والمصابرة يحتفظ بها وقتاً طويلاً، وهذا ملحوظ في حضارة المسلمين منذ نشأتها ووصولها لقرون من الزمن.

4- قاعدة التدافع: الصراع بين الحق والباطل صراع أزلي إلهي أراده الله تعالى ليدفع الله تعالى الباطل بالحق فإذا هو زاهق، وإذا تكاسل أهل الحق عما أراده الله وتركوا الحق، فسيدفع الله ذلك الحق بالباطل ليردهم للحق والصواب.

           ومن الآيات التي تتحدث عن التدافع بين الناس، ﭧﭐﭨﭐ ﱡﭐ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ  ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ  ﲜ ﲝ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ  ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ  ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ( سورة البقرة،آية: 251)، فقد أوضح الله سبحانه وتعالى أن من آثار هذه السنة الإلهية منع الفساد في الأرض، وأن هذا التدافع بين الحق والباطل هو نعمة على البشرية وعلى الحضارة الإسلامية، فلو ترك الفاسد يشيع الفساد في الأرض، لتهدمت القيم والأخلاق وأسس الدين، والمساجد وأماكن العبادة والتدافع هو صراع بين أصحاب الحق وأصحاب الباطل، أي بين المؤمنين وغيرهم، فالصراع والتعارض بين الفريقين حتمي كونهما متضادان لا يلتقيان ولا يجتمعان أبداً، لذلك وجب على الأمة الناهضة دفعه وإزالته وإضعافه، ومنعه من التأثير على الأمة.

        ومن الآيات الدالة على سنة التدافع، قوله تعالى: ﭐﱡﭐ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ  ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ  ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ( سورة الشورى،آية: 24)، قال الزمخشري في تفسيرها: ومن عادة الله أن يمحو الباطل ويثبت الحق بكلماته أي بوحيه أو بقضائه( الزمخشري، 1407: 4/222 )، وهذه قاعدة عامة مبينة لسنة الله في تنازع الحق والباطل، والصلاح والفساد، ويدخل فيه سحر سحرة فرعون                       فإنه باطل وفساد، أي لا يجعل عمل المفسدين صالحاً(رضا،1990: 11/382).                                       وقاعدة التدافع بين الناس هي من صميم الدفع في تحريك الحياة باتجاهها الصحيح، سواء في حياة الناس العامة بدفع الفساد وشؤون الحياة، أو بدفع العدو عن المسلمين، وجعلها الله تعالى بين المؤمنين وغيرهم ليرجعوا إلى الحق الذي أراده الله تعالى لعباده المؤمنين.

·       تطبيقات قواعد النهضة على بعض مكونات التعليم العالي، المعلم أنموذجاً:

        أ‌-        يراعي أولويات العملية التعليمية، فيقدم ما هو أهم وأولى من العلوم، والمعارف، والمهارات، والأنشطة المنهجية وغير المنهجية، وما يجب تعديله من سلوك الطلاب، فيقدم ما هو مطلوب وحان وقته على غيره.

      ب‌-      يكون على علم وفهم واسع بسنن الله في كونه، والسنن التي لا تتغير ولا تتبدل، فيأخذ بأسباب التفوق في العلم والتعلم.

      ت‌-      على اطلاع على التحديات التي تواجه المعلم والتغلب عليها وإيجاد الحلول لها.، أو التي يمكن أن تعيق أدائه في الفصل الدراسي، أو التي تحول دون تحقيق أهداف العملية التعليمية.

      ث‌-      عالم بحقيقة الصراع والتدافع بين الحق والباطل وأخذ العبر والاستفادة منها لما فيه الخير له ولطلابه ولوطنه.

سادساً: أهداف النهضة في القرآن الكريم:

1- إعداد المواطن الصالح( البعد الإنساني): تسعى الشريعة الإسلامية لبناء المواطن الصالح في المجتمع المسلم ليكون صالحاً في نفسه، مصلحاً لغيره أينما حل أو ارتحل، ولن يتحقق إيجاد المواطن الصالح إلا إذا كان متمسكاً بعقيدته، مأدياً لما افترضه الله تعالى عليه، ملتزماً بالقيم والأخلاق الإسلامية والتي تظهر عليه واضحةً في أقواله وسلوكه في المجتمع.

         هذا المواطن الذي يكون هدفه في الحياة تحقيق عبادة الله تعالى، ﭧﭐﭨﭐ  ﱡﭐ    ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ( سورة الذاريات، آية: 56)

         كما وتسعى الشريعة الإسلامية لترسيخ مبادئها في مواطنيها وأفرادها، وتميزهم عن غيرهم، وتربيتهم تربية إيمانية وأخلاقية، واجتماعية، وعلمية، بوسطية واعتدال وفي كل المجالات، ليقترن وصف ذلك الإنسان الصالح  بالله تعالى، ﭧﭐﭨﭐ ﱡﭐ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ  ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ  ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ  ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ  ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ  ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ  ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ  ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ  ﱗ ﱘ            ( سورة الفرقان،آية:63-68).

         فلا يمكن بناء معايير العدل والسلام في عقول البشر عندما تختفي قيمة إعداد "الإنسان" ليكون خليفة لله في عمارة الأرض وترقية الحياة على ظهرها لحساب إعداد "المواطن" المقطوع الصلة بالله، الذي لا يتسع ولاؤه لأكثر من جماعة من الناس على رقعة ضيقة من الأرض في زمان ومكان معينين! إن هذا المواطن المقطوع الصلة بالله، مهما أتقن العمل وأقام المصانع والمزارع، ومهما اخترع وابتكر، فسوف تتحول نتائج أعماله وابتكاراته إلى عوامل تخريب وتدمير وشقاء(مدكور،2001: 174)

           فأسمى ما تطمح إليه الشريعة الإسلامية من وجودها؛ أن تُعد للعالم كله المواطن الصالح، ليكون لبنة حسنة في بناء الحضارة الإسلامية والإنسانية، وتحقيق وعد الله تعالى بخلافة الأرض وفق منهجه، فلن يتحقق ذلك الوعد إلا بوجود الإنسان الذي يحمل منهج الله تعالى للبشرية، فيخرجها من ظلمات العبودية لعدالة الإسلام.

2- إقامة شرع الله تعالى في الأرض وعبادته( البعد الغائي): من أسباب النهضة للأمة إقامة شرع الله تعالى، وتحكيم كتاب ربها والتعبد به، وهو ثمرة التمكين والاستخلاف، ﭧﭐﭨﭐ ﱡﭐ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ  ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ  ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ  ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ  ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ( سورة النور،آية:55)، أي ليحققوا النهج الذي أراده الله ويقرروا العدل الذي أراده الله ويسيروا بالبشرية خطوات في طريق الكمال المقدر لها يوم أنشأها الله، فأما الذين يملكون ويفسدون في الأرض وينشرون فيها البغي والجور، وينحدرون بها إلى مدارج الحيوان، فهؤلاء ليسوا مستخلفين في الأرض، إنما هم مبتلون بما هم فيه، أو مبتلى بهم غيرهم ممن يسلطون عليهم لحكمة يقدرها الله آية هذا الفهم لحقيقة الاستخلاف( قطب ، 1412: 4/2529).

وهذا الهدف  يعطي العبد في سعيه الحضاري قوة دفع في تحريك الحياة ويمنحه قدرات فوق قدراته المعهودة؛ إذ يسير في إنجازه الحضاري مقترناً بإمداد الرب وتوفيقه، كما يمنحه الإيمان بالله وتقواه للذي يملك الحياة والأحياء بقاءً وامتداداً لأعماله في الزمان وفي المكان، ويمنحه الإيمان بالله والسعادة والطمأنينة فيسير في تحريك الحياة، فكل حركة في الحياة تأتي بعيداً عن الإيمان هي أساس كل انحراف( الخطيب،2010: 116)

         والبعد الغائي من النهضة والحضارة الإسلامية؛ هو تحقيق مقصد العبادة في الأرض وفق مراد الله وحده في أمره ونهيه، لقوله تعالى: ﭐﱡﭐ    ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ( سورة الذاريات،آية:56)، فهذه الغائية هي التي تجعل الله تعالى هدفاً للمسيرة وغاية للتحرك الحضاري الصالح على الأرض، وهذا يقتضي أن يكون المسلم في سعيه الحضاري لقيادة الكون وإعماره اجتماعياً وطبيعياً محكوماً بقيم الاستخلاف الإلهي التي تؤطر الإنسان بفلسفة تكريم كلية مستوعبة، والكون والطبيعة بفلسفة تسخير وإعمار لخير الإنسانية( الخطيب ،2010: 117).

لذلك يجب على النهضويين أن يكون جهدهم لتمكين شرع الله تعالى في الأرض، وهو الغاية من خلق الإنسان؛ عبادة  الله – سبحانه وتعالى-  وإيصال نور الهداية لكل الناس، فهي المحدد للسلوك والفكر عند المسلم.

3-  التمكين في الأرض: التمكين أراده الله تعالى لعباده المؤمنين دون غيرهم، فالعاقبة لأهل الإيمان وإن اعترى المؤمنون الضيق والعنت والشدة، وكان للظالمين صولة، فإنها لن تدوم طويلاً وسيكون التمكين مآله للمؤمنين.

           ومن آيات التمكين في الأرض، قوله تعالى: ﱡﭐ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ  ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ  ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ  ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ( سورة القصص،آية:5-6)، ونمكن لهم في الأرض، وأصل التمكين أن تجعل للشيء مكاناً يتمكن فيه، ثم استعير للتسليط وإِطلاق الأمر(البيضاوي، 1418: 4/171)، ومكن له إذا جعل له مكاناً يقعد عليه أو يرقد ومعنى التمكين {لَهُمْ فِى الأرض} أي أرض مصر والشام أن يجعلها بحيث لا تنبو بهم ويسلطهم وينفذ أمرهم (النسفي، 1998: 2/628)

          فالتمكين وعد الله - سبحانه وتعالى - لعباده المؤمنين، لكن يجب عليهم الأخذ بالأسباب ومقوماته ليمكّن لهم، فتمكين الدين والشريعة في النفوس والسلوك يسبق التمكين في الأرض.

4- المحافظة على الكون وعمارته وفق منهج الله الإصلاحي والحضاري: من غايات وأهداف وجود الإنسان في هذا الكون بعد عبادة الله تعالى، عمارة الكون وفق منهج الله، فلا تدفعه الدوافع للإفساد والبغي فيه، وعمارة الأرض تشمل أمرين: العمارة المادية وتتمثل بالمباني والصناعات والتكنولوجيا، والجانب المعنوي للعمارة يكمن في إقامة الشرع وتحقيقه في الإنسان المسلم، فالنوعان متلازمان، وهما المقصودان.

                                                   ﭧﭐﭨﭐ  ﱡﭐ ﲻ ﲼ ﲽ ﲿ  ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ  ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ  ( سورة هود،آية :61)، أي: استخلفكم فيها، وأنعم عليكم بالنعم الظاهرة والباطنة، ومكنكم في الأرض، تبنون، وتغرسون، وتزرعون، وتحرثون ما شئتم، وتنتفعون بمنافعها، وتستغلون مصالحها، فكما أنه لا شريك له في جميع ذلك، فلا تشركوا به في عبادته( السعدي، 2000: 384)، فقد استخلفهم الله فيها ليعمروها، استخلفهم بجنسهم وبأشخاصهم( قطب، 1412: 4/1907)

         وعمارة الأرض كان هدف الصحابة وهذا ما عبرّ عنه على بن أبى طالب في خطابه لواليه في مصر مالك بن الحارث الأشتر جاء فيه:  وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب خراجها، لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد، ولم يستقم أمره إلا قليلاً( ابن أبي الحديد، د.ت: 17/70)

        ويقول الماوردي: أن من مستلزمات السلطان عمارة البلدان باعتماد مصالحها، وتهذيب سبلها ومسالكها( الماوردي، 1421: 1/151)، وعمارة الأرض من بين المقاصد والكلية الضرورية التي دل الشرع على حفظها بمفهومها الواسع الذي يشمل على كل ما سخره الله لخلقه، من بحار وأرض وجبال ومعادن وطبيعة، وآيات التسخير في القرآن كثيرة جداً، فما يحصل اليوم في حياة الناس من جراء التفاعل غير الصحيح مع الكون وما تعانيه البشرية من تلوثات ومجاعات وتهديد بنفاد المسخرات الإلهية حسب البناء الفلسفي للنظرية الاقتصادية المادية؛ إنما يعبر عن جهل الناس لمقاصد الشارع الحكيم( ابن مبارك: 1995، 48)

        فعمارة الأرض بنوعيها لابد من تكاملهما في الحضارة الإسلامية، وهذا ما تميزت به عن غيرها من الحضارات الأخرى، والتي اعتمدت على الجانب المادي، وتركت الجانب المعنوي. وهذا ما وجب على المصلحين مراعاته.

5- إفشاء الأمن والأمان والسلام:

         تمثل نعمة الأمن للإنسان من أهم مقاصد الدين الذي يطمح أن يصل إليه؛ وقد أعلى الإسلام من هذه القيمة وضرورة وجودها في المجتمع المسلم، ومن الآيات التي ذكرت نعمة الأمن والأمان قوله تعالى: ﭐﱡﭐ    ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ  ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ( سورة يوسف،آية:99)

        ولن يحصل الأمن والأمان إلا إذا زال الخوف؛ فهما لا يجتمعان أبداً، قال تعالى لموسى: ﭐﱡﭐ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄﲅ  ﲇ ﲈ ﲉ ( سورة القصص،آية:31)، ولكي يتحقق الأمن والأمان في المجتمع حرصت السنة النبوية على إفشاء السلام بين المسلمين، كما في قوله – صلى الله عليه وسلم- :( السَّلَامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ، فَأَفْشُوهُ بَيْنَكُمْ ) ( الطبراني، د.ت: 3/ 231)، على سبيل الأفراد في المجتمع، أما على السبيل العالمي لا بد من توافره؛ وقد ركز القرآن عليها في آيات القرآن الكريم وجعلها مظهر من مظاهر الدين الإسلامي؛ فهي صفةٌ لله تعالي، ﭧﭐﭨﭐ ﱡﭐ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ  ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ  ﲭ ﲮ ﲯ ﲰﲱ(سورة الحشر،آية:23).

         ومن مستلزمات تحقيق الأمن والأمان داخلياً في المجتمع، كان لا بد من تحقيق أساسيات الحياة للأفراد من الطعام و التعليم والصحة وغيرها، وقرنت آيات القرآن الكريم بين نعمتي الأمن وتوفير الطعام، ﭧﭐﭨﭐ ﱡﭐ ﱎ ﱏ  ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ                                                 ( سورة قريش،آية:4).

          وفي السنة قوله - صلى الله عليه وسلم- قَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : " مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ , فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا        (البيهقي، 2003: 13/10)

             فمنهج التربية في الإسلام هو المنهج الوحيد القادر على بناء قواعد العدل واستحكامات السلام في عقول البشر وضمائرهم، فالذي لا شك فيه أنه إذا اكتملت تربية الإنسان واكتمل تأهيله وفق منهج الله، فإن الاستقامة على العدل والسلام تصبح طابعه الحضاري                   ( مدكور، 2001: 173)

       وتحقيق الأمن لن يكون إلا من خلال التمسك بالدين واتباع منهجه القويم، ﭧﭐﭨﭐ                                       ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ  ﱊ ﱋ ﱌ ( سورة الأنعام، آية:82).

          والأمن والأمان والسلام من أهم ما يصبو إليه المسلم في مجتمعه، بأن يكون آمناناً على نفسه وماله وأولاده، فلن يكون دافعاً للنهضة ومحركاً لها إن لم يشعر بهما، وواقع المجتمعات الإسلامية اليوم يشهد بذلك.

6- تحقيق السعادة والرفاهية لأفراد المجتمع الإسلامي (الحياة الطيبة): توفير سبل الراحة والعيش الرغيد لأفراد المجتمع المسلم هو هدف الشريعة الإسلامية والتي تسعى لتحقيقه؛ ويتمثل ذلك بتوفير أساسيات الحياة الضرورية من طعام أو شراب أو تعليم أو مستلزمات الحياة الكريمة الطيبة، ومن ثم توفير الحاجيات والتحسينات، فالدولة الإسلامية هي المسؤولة عن أفرادها تتحسس مشاكلهم، وآلامهم، وتسارع لقضاء حوائجهم، لينعم بالاستقرار والطمأنينة في المجتمع.

           فمن غايات كل حضارة ووجودها أن تحقق الرفاهية والوفرة لأبنائها، وهذا ما تبدأ الحضارة في الشروع به من بعد انطلاقتها الأولية، وتحوّلها من مرحلة التخلق إلى الاستقرار والتبلور في صورة دولة ونظام وتشريع ومؤسسات ومنجزات اجتماعية ومادية ومعرفية( جندية، 2011: 61)

        وإذا كانت التنمية في المجتمع في أسمى أهدافها تسعى لإيجاد مجتمع الرفاهية، فإن الإسلام قد وفر هذه الرفاهية المتعددة الأبعاد للمسلمين ولغير المسلمين، من البشر ممن التزم بالإسلام وكان نموذجاً يحتذى به، ويعتبر تعمير النشاط الرئيسي الذي يحقق إشباع الحاجات والرفاهية للمجتمع( الوادي، وآخرون، 2010: 271)

         والسعادة والرفاهية التي أراد الإسلام تحقيقها، هي متضمنة في الحياة الطيبة الرغيدة التي ذكرها الله تعالى في قوله: ﭐﱡﭐ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ  ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ   ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ( سورة النحل،آية:67).

         ومن الآيات التي تبين هذا المقصد قوله تعالى: ﭧﭐﭨﭐ  ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ  ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ  ﱒ ﱓ             ( سورة الأعراف،آية:96).           

          والحياة الطيبة لا تعني الاستهلاك أو مجتمعات إنتاج الوفرة أو مجتمعات تجاوز الحاجات كما في المنظور المادي، بل هي في المنظور الإسلامي، حالة من السرور والكمال يشعر بها الفرد في حياته اليومية نتيجة استمتاعه بخيرات الحياة على الدوام فلا حيرة ولا قلق ولا شرود ولا ضلال( الخطيب،2010: 122)

       إن توفير سبل الراحة والرفاهية لأفراد المجتمع الإسلامي ضرورة مهمة، تهدف الشريعة الإسلامية لتحقيقها من خلال النهضة العامة، وتتعدى تلك السبل ضروريات الحياة أو حاجياتها، لتصل بهم للتحسينات، وتحقيق الرفاهية في العيش والحياة، والتنعم بما أوجده الله تعالى من النعم في كونه.

7- حفظ مقاصد الدين لدى الإنسان( البعد المقاصدي): جاءت الشريعة الإسلامية للحفاظ على مصالح الناس الدينية والدنيوية، وهذه المقاصد هي غاية ما يحققه الاستخلاف للإنسان، فيأمن على دينه، ونفسه، وعرضه، وعقله، وعلى ماله، فلا يشعر بمن يهددها أو الإنتقاص منها.

          وتحقيق مصالح العباد ودفع مضارهم نوعان: أخروية ودنيوية، جعلوا الأخروية ما في سياسة النفس وتهذيب الأخلاق من الحكم، وجعلوا الدنيوية ما تضمن حفظ الدماء والأموال والفروج والعقول والدين الظاهر( ابن تيمية،2005: 32/ 234)

          ففي كلية الاستخلاف التي هي أصل الكليات نجد مصالح المجتمع، كما نجد مصالح الإنسانية فحفظ الدين والنفس والعقل والمال والنسل أمور مطلوبة شرعاً( ابن مبارك، 1995: 46)

ومقاصد الدين الخمسة، هي:

أ‌-     الدين:  وهو الاطار المرجعي التأسيسي للأمة.

ب‌-  النفس: حفظ النفس للفردية والجماعة للأمة.

ت‌-  المال: حفظ المال وما يقوم عليه من عمليات التنمية والعمران.

ث‌-  العقل: حفظ العقل وما يحمله من عناصر التكوين الثقافي وترسيخ عناصر القيم المتعلقة به.

 

ج‌-   النسل: حفظ الكيان واستمراره في اطار العمارة الإنسانية وتنمية الموارد البشرية( الخطيب ،2010: 25)

     ومما سبق نجد أن الإسلام قد اعتنى بالفرد المسلم في كل مصالحه حفاظاً عليها من انتهاكها أو الانتقاص منها، ليتفرغ للدفع الحضاري وتحقيق أهداف خلافة الأرض.

·       تطبيقات خصائص النهضة على بعض مكونات التعليم العالي، المعلم أنموذجاً:

      أ‌-        يهدف في تعليمه لطلابه اعدادهم ليكونوا صالحين في مجتمعهم، وإيجاد المواطن الصالح.

     ب‌-      يقيم شرع الله في بيئته التعليمية، تمهيداً لإقامته في مجتمعه.

     ت‌-      غرس حب أداء العبادة بين إخوانه المعلمين، وبين طلابه وفي مدرسته.

     ث‌-      يغرس في عقول طلابه حب الوطن، وحب الانتماء للأمة الواحدة.

     ج‌-       يرسخ لدى طلابه حب عمارة الأرض باعتبار كل واحد منهم خليفة الله في الأرض، والمحافظة على البيئة والمجتمع ومقدراته و الحرص على نظافته.

     ح‌-       افشاء الأمن والأمان والسلام في البيئة التعليمية والفصل، وإفشائه في المجتمع.

     خ‌-       حفظ مقاصد الدين على نفسه أولاً، ثم على طلابه، فلا يكون سبباً في اتلاف أو الإضرار ببعض مقاصد الدين الخمس ( الدين -المال- النفس- العقل  - النسل)، واعطاء الدروس التوعوية لطلابه في كيفية المحافظة عليها.

 

النتائج والتوصيات

أولاً: النتائج:

من خلال الدراسة وتحليل مفاهيم ومبادئ النهضة في القرآن الكريم، فقد توصلت الدراسة للنتائج الآتية:

1-   تؤكد الدراسة شمول وتكامل مفهوم النهضة في القرآن الكريم.

2-   اهتمام القرآن الكريم بالألفاظ الدالة على النهضة، وتأكيدها والعمل بمقتضاها( العمارة، الاستخلاف، التعمير،....)

3-   انضباط النهضة القرآنية بالمعايير والقواعد الشرعية حتى لا تحيد عنها،  أو أن يعتريها الغلو أو والإفراط.

4-   مراعاة النهضة للانفتاح على الغير وفق منهج الله تعالى.

5-   شمول أهداف النهضة القرآنية لكل مناحي الحياة ليضمن لأفراد المجتمع المسلم الحياة الطيبة.

6-   لمفهوم النهضة في القرآن الكريم تطبيقات على التعليم العالي، ومنها المعلم أنموذجاً.

ثانياً: التوصيات:

بعد البحث في مفاهيم ومبادئ النهضة في القرآن الكريم، وفي ضوء نتائج الدراسة توصي الدراسة بمجموعة من التوصيات وهي كما يلي:

1-   توصي الدراسة وزارة التعليم العالي بالاهتمام بالمعلم واعداده جيداً لحمل رسالة الإسلام، من خلال عقد دورات تثقيفية وعلمية.

2-   اهتمام الإعلام بالمعلم والتحديات التي يواجهها، وايجاد الحلول والمقترحات.

3-   تفعيل تطبيقات النهضة على المعلم.

4-   عقد دورات متخصصة للمسؤولين كل حسب تخصصه لإحداث التغيير المرغوب فيه للإصلاح المنشود.

ثالثاً: المقترحات:

توصلت الدراسة لمقترحات منها:

1-   اجراء دراسة مماثلة على باقي مكونات التعليم العالي الأخرى.

2-   اجراء دراسات ميدانية يقاس من خلالها مدى تطبيق مفاهيم ومبادئ النهضة على مكونات التعليم العالي، أو المناهج التعليمية.


 

المصادر والمراجع

أولاً: المصادر:

القرآن الكريم: تنزيل الحكيم الخبير

1-   ابن حنبل، أحمد( 2010). مسند أحمد بن حنيل. جمعية المكنز الإسلامي.

2-   ابن كثير، إسماعيل بن عمر( 2002). تفسير القرآن العظيم. دار طيبة للنشر والتوزيع، ط2.

3-   البخاري، محمد بن إسماعيل( 2013) . الأدب المفرد. دار الصديق - الجبيل - المملكة العربية السعودية، ط1.

4-   البخاري، محمد بن اسماعيل(1422). الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه = صحيح البخاري. دار طوق النجاة.

5-   البيهقي، أحمد بن الحسين(2003). شعب الإيمان. مكتبة الرشد للنشر والتوزيع بالرياض، ط1.

6-   الزمخشري، محمود بن عمرو(1407). الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل. دار الكتاب العربي – بيروت، ط3.

7-   السجستاني، سليمان بن الأشعث ( 2009) . سنن أبو داوود. دار التأصيل – القاهرة، ط1..

8-   الطبراني، سليمان بن أيوب(د.ت) . المعجم الأوسط. دار الحرمين – القاهرة.

9-   الطبري، محمد بن جرير( 2000) . جامع البيان في تأويل القرءان. مؤسسة الرسالة.

10-     العسقلاني، أحمد بن علي( 1379). فتح الباري شرح صحيح البخاري. دار المعرفة – بيروت.

11-     القرطبي، محمد بن أحمد( 1964). الجامع لأحكام القرآن. دار عالم الكتب- الرياض.

12-     النسفي، عبد الله بن أحمد( 1998). مدارك التنزيل وحقائق التأويل. دار الكلم الطيب، بيروت، ط1.

13-     النيسابوري، مسلم بن الحجاج(د.ت). المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. دار إحياء التراث العربي – بيروت.

ثانياً: المراجع:

1-   ابن أبي الحديد، عبد الحميد بن هبة الله ( د.ت). شرح نهج البلاغة. دار احياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي وشركاه.

2-   ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم(2005). مجموع الفتاوى. دار الوفاء،ط3.

3-   ابن حبتة الأنصاري، يعقوب بن ابراهيم( د.ت). الخراج . المكتبة الأزهرية للتراث- مصر.

4-   ابن فارس، أحمد ( 2002) " مقاييس اللغة " ، اتحاد الكتاب العرب- القاهرة.

5-   ابن مبارك، برغوث(1995). المنهج النبوي والتغيير الحضاري. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية- قطر، ط1.

6-   ابن نبي، مالك( 1987)" شروط النهضة" ، دار الفكر، دمشق- سوريا.

7-   ابن نبي، مالك(2007). مشكلات الحضارة القضايا الكبرى. دار الفكر- دمشق، ط7.

8-   الأنصاري، عبد الحميد( 1996). الشورى وأثرها في الديمقراطية. دار الفكر العربي.

9-   جندية، بتول(2011). على عتبات الحضارة - بحث في السنن وعوامل التخلق والانهيار، دار الملتقى للطباعة والنشر والتوزيع، سورية، ط1.

10-     حنبكة، عبد الرحمن ( 1998). الحضارة الإسلامية أسسها ووسائلها وصور من تطبيقات المسلمين لها ولمحات من تأثيرها في سائر الأمم. دار القلم- دمشق، ط1.

11-     الخطيب، محمد ( 2010). قيم الإسلام الحضارية نحو إنسانية جديدة. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية – قطر.

12-     خليل، عماد الدين (د.ت). صفحات من حضارة الإسلام " العلوم التطبيقية" دراسة في المعطيات وعوامل الازدهار والتوقف. كلية التربية- جامعة الموصل.

13-     الراغب، الحسين (2007). الذريعة إلى مكارم الشريعة. دار السلام – القاهرة.

14-     رضا، محمد ( 1990). تفسير المنار. : الهيئة المصرية العامة للكتاب.

15-     زهرة، عطا (2014). تكامل الحضارات بين الإشكالية والإمكانات.وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.

16-     السعدي، عبد الرحمن ( 2000). تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان. مؤسسة الرسالة،ط1.

17-     الصلابي، علي (2001) . الوسطية في القرآن الكريم. مكتبة الصحابة، الشارقة - الإمارات، مكتبة التابعين، القاهرة – مصر.

18-     عاشور، سعيد ،وعبد الحميد، سعد ،والعبادي، أحمد( 1996). دراسات في تاريخ الحضارة الإسلامية العربية. دار المعرفة الجامعية- القاهرة.

19-     العجم، رفيق( 2004).موسوعة مصطلحات ابن خلدون والشريف علي محمد الجرجاني. مكتبة لبنان ناشرون- بيروت.

20-     قطب، سيد( 1412). في ظلال القرآن . دار الشروق – بيروت، ط17.

21-     الماوردي، علي ( 1421). أدب الدنيا والدين. دار ومكتبة الهلال – بيروت.

22-     الماوردي، علي ( د.ت). أدب الدنيا والدين. دار ومكتبة الهلال – بيروت.

23-     مدكور، علي(2001). مناهج التربية أسسها وتطبيقاتها. دار الفكر العربي.

24-     الوادي، محمود، وآخرون(2010). الاقتصاد الإسلامي. دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة- الأردن.

25-     يوسف، عبد المولى (2014). ضوابط التفاعل الحضاري ووسائله وآثاره التربوية. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية- قطر،ط1.

الرسائل العلمية:

1-   أبو حليمة، عائدة( 2012)" منهجيات الإصلاح والتغيير في سور الذاريات والطور والنجم والقمر والرحمن والواقعة والحديد" ، رسالة ماجستير، كلية أصول الدين الجامعة الإسلامية- غزة.

2-   ضهير، إسلام( 2012)" منهجيات الإصلاح والتغيير في سورتي الفاتحة والبقرة" ، رسالة ماجستير، كلية أصول الدين الجامعة الإسلامية- غزة.

الدوريات:

1-   البار، عبد الله ( 2003) " مفهوم الاستخلاف وعمارة الأرض في الإسلام" ، مجلة الدراسات التجارية – مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي – عدد 25.

2-   حسن، عمار(2009)" مسارات النهضة ونظائرها في الفكر الإسلامي الحديث إطار مفاهيمي وقيمي" ، مجلة المسلم المعاصر- عدد132.

3-   خليل، عماد الدين ( 2000)" عوامل تدهور الحضارة الإسلامية" ، مجلة التجديد- عدد8.

4-   ناجي، فرحان( 2014)" سنن النهضة في القرءان الكريم"، مجلة جامعة الناصر، اليمن- عدد 4

المراجع العربية الإنجليزية

1.    The Holy Quran: The Wise and All-Knowing Revelation

2.    Ibn Hanbal, A. (2010). Musnad Ahmad Ibn Hanbal. Islamic Treasure Society.

3.    Ibn Kathir, I. (2002). Interpretation of the Noble Quran. Dar Taybah for Publishing and Distribution, 2nd edition.

4.    Al-Bukhari, M. (2013). Al-Adab Al-Mufrad. Dar Al-Siddiq, Jubail, Saudi Arabia, 1st edition.

5.    Al-Bukhari, M. (1422). Al-Jami 'Al-Musnad Al-Sahih Al-Mukhtasar Min Amoor Rasool Allah (SAW) wa Sunanihi wa Ayamih = Sahih Al-Bukhari. Dar Touq Al-Najah.

6.    Al-Bayhaqi, A. (2003). Shu'ab Al-Iman. Al-Rushd Library for Publishing and Distribution, Riyadh, 1st edition.

7.    Al-Zamakhshari, M. (1407). Al-Kashaf 'An Haqaiq Ghawamid Al-Tanzil. Dar Al-Kitab Al-Arabi, Beirut, 3rd edition.

8.    Al-Sijistani, S. (2009). Sunan Abi Dawood. Dar Al-Ta'seel, Cairo, 1st edition.

9.    Al-Tabarani, S. (n.d.). Al-Mu'jam Al-Awsat. Dar Al-Haramayn, Cairo.

10. Al-Tabari, M. (2000). Jami 'Al-Bayan Fi Ta'wil Al-Quran. Al-Risalah Foundation.

11. Al-Askalani, A. (1379). Fath Al-Bari Sharh Sahih Al-Bukhari. Dar Al-Ma'arifah, Beirut.

12. Al-Qurtubi, M. (1964). Al-Jami 'Li Ahkam Al-Quran. Dar Alam Al-Kutub, Riyadh.

13. Al-Nasafi, A. (1998). Madarik Al-Tanzil Wa Haqaiq Al-Ta'wil. Dar Al-Kalam Al-Tayyib, Beirut, 1st edition.

14. Al-Nisaburi, M. (n.d.). Al-Musnad Al-Sahih Al-Mukhtasar Binqil Al-Adl 'An Al-'Adl Ila Rasool Allah (SAW). Dar Ihya' Al-Turath Al-Arabi, Beirut.

Secondly, the references:

1.    Ibn Abi Al-Hadid, A. (n.d.). Sharh Nahj Al-Balagha. Dar Ihya' Al-Kutub Al-Arabiyyah, Isa Al-Babi Al-Halabi and Partners.

2.    Ibn Taymiyyah, A. (2005). Majmu 'Al-Fatawa. Dar Al-Wafa, 3rd edition.

3.    Ibn Hubaytah Al-Ansari, Y. (n.d.). Al-Kharaj. Al-Azhar Library for Heritage, Egypt.

4.    Ibn Farris, A. (2002). Mawaqif Al-Lughah. Arab Writers Union, Cairo.

5.    Ibn Mubarak, B. (1995). The Prophetic Approach and Civilizational Change. Ministry of Endowments and Islamic Affairs, Qatar, 1st edition.

6.    Ibn Nabi, M. (1987). Shurut Al-Nahdah. Dar Al-Fikr, Damascus, Syria.

7.    Ibn Nabi, M. (2007). Mashakil Al-Hadarah Al-Qadaya Al-Kubra. Dar Al-Fikr, Damascus, 7th edition.

8.    Al-Ansari, A. (1996). Al-Shura and Its Impact on Democracy. Dar Al-Fikr Al-Arabi.

9.    Jundiyya, B. (2011). On the Thresholds of Civilization: A Study on Sunan, Factors of Development, and Decline. Dar Al-Multaqa for Printing, Publishing, and Distribution, Syria, 1st edition.

Books: 10. Hanbaka, A. (1998). Islamic Civilization: Its Foundations, Means, Examples of Muslim Applications, and Glimpses of Its Influence on Other Nations. Dar Al-Qalam, Damascus, 1st edition. (In Arabic)

11. Khatib, M. A. F. (2010). The Civilizational Values of Islam: Towards a New Humanity. Ministry of Endowments and Islamic Affairs, Qatar. (In Arabic)

12. Khalil, E. A. (n.d.). Pages from the Civilization of Islam: "Applied Sciences": A Study on Data, Factors of Prosperity and Decline. College of Education, University of Mosul. (In Arabic)

13. Raghib, H. B. M. (2007). Al-Dhariah Ila Makarim Al-Shari'ah. Dar Al-Salam, Cairo. (In Arabic)

14. Rida, M. R. (1990). Tafsir Al-Manar. Egyptian General Book Authority. (In Arabic)

15. Zahra, A. M. (2014). Integration of Civilizations: Between Problematic and Potential. Ministry of Endowments and Islamic Affairs. (In Arabic)

16. Saadi, A. R. N. (2000). Taysir Al-Kareem Al-Rahman Fi Tafsir Kalam Al-Mannaan. Al-Risalah Foundation, 1st edition. (In Arabic)

17. Salabi, A. (2001). Moderation in the Noble Quran. Maktabat Al-Sahaba, Sharjah, UAE, Tabi'in Library, Cairo, Egypt. (In Arabic)

18. Ashour, S., Hamid, S., & Abadi, A. (1996). Studies in the History of Arab Islamic Civilization. Dar Al-Ma'arifah Al-Jame'eiyah, Cairo. (In Arabic)

19. Ajam, R. (2004). Encyclopedia of Ibn Khaldun's Terminology and Al-Jurjani. Lebanon Publishers, Beirut. (In Arabic)

20. Qutb, S. (1412). In the Shade of the Quran. Dar Al-Shorouk, Beirut, 17th edition. (In Arabic)

21. Mawardi, A. B. M. (1421). Adab Al-Dunya Wal-Din. Dar and Library Al-Hilal, Beirut. (In Arabic)

22. Mawardi, A. B. M. (n.d.). Adab Al-Dunya Wal-Din. Dar and Library Al-Hilal, Beirut. (In Arabic)

23. Madkur, A. A. (2001). Educational Approaches: Foundations and Applications. Dar Al-Fikr Al-Arabi. (In Arabic)

24. Wadi, M., et al. (2010). Islamic Economy. Dar Al-Masira for Publishing, Distribution, and Printing, Jordan. (In Arabic)

25. Youssef, A. M. M. (2014). Guidelines for Civilizational Interaction, its Means, and its Educational Effects. Ministry of Endowments and Islamic Affairs, Qatar, 1st edition. (In Arabic)

Scientific Theses:

1.    Abu Halima, 'A. (2012). Methodologies of Reform and Change in Surahs Al-Dhariyat, Al-Tur, Al-Najm, Al-Qamar, Al-Rahman, Al-Waqi'ah, and Al-Hadid. Master's thesis, Faculty of Islamic Studies, Islamic University of Gaza. (In Arabic)

2.    Daher, I. (2012). Methodologies of Reform and Change in Surahs Al-Fatiha and Al-Baqarah. Master's thesis, Faculty of Islamic Studies, Islamic University of Gaza. (In Arabic)

Journals:

1.    Al-Barr, A. (2003). The Concept of Succession and Earth Building in Islam. Journal of Commercial Studies - Salah Kamel Center for Islamic Economy, Issue 25. (In Arabic)

2.    Hassan, A. (2009). Paths of Renaissance and their Equivalents in Modern Islamic Thought: A Conceptual and Value Framework. Al-Muslim Al-Mua'sir Magazine, Issue 132. (In Arabic)

3.    Khalil, E. A. (2000). Factors of the Deterioration of Islamic Civilization. Al-Tajdid Journal, Issue 8. (In Arabic)

4.    Naji, F. (2014). The Sunan of Renaissance in the Noble Quran. Al-Nasser University Journal, Yemen, Issue 4. (In Arabic)